زهير إسماعيل
يفشل مجلس نواب الشعب مرة أخرى في انتخاب ثلاثة أعضاء للمحكمة الدستوريّة. من المهم أن نعرف الأسباب من خلال اتجاهات التصويت والحضور بالنسبة حتى تتوضّح مواقف الكتل خاصّة.
هناك أسف كبير بسبب هذا الفشل. وهو فشل غالبا ما يرد مصحوبا بقناعة قوامها أنّٰ التجربة على كف عفريت في غياب هذه المؤسسة. وكأننا سنهلك بدونها.
المحكمة الدستوريّة مهمة وأساس متين للديمقراطيّة، ولكن تجربة الثماني سنوات لا تزكّٰي هذا القناعة، فقد تم تأسيس هيئات تعديلية ودستورية كهيئة الحقيقة والكرامة والإيزي والهايكا. فكانت في معظمها هياكل فارغة. فالهايكا انتهت إلى التفاهة، والإيزي تمت هرسلتها بغاية التأثير في إحاطتها بالانتخابات في ظروف الشفافية والنزاهة، وانتهت الحقيقة والكرامة إلى محصّلة هزيلة في جبر ضرر الضحايا واعتذار الجلادين وإقامة المصالحة، وحتى التقرير النهائي جاء مبتورا.
هذا لا يقلل من قيمة هذه المؤسسات ولكن ينبّه إلى أنها محصّلة لـ”العركة السياسية” التي لم تضع بعد أوزارها، وهي عركة على “قواعد اللعبة” واكتمال المنظومة الديمقراطية واستقرارها، طرفاها قديم وجديد، أشواق ديمقراطية ووسواس استبداد ونوازع غنائمية مستحكمة.
في ظل هذه العركة المحتدمة ستكون المحكمة الدستوريّة قلعة أخرى فارغة، وإن ترأسها العياشي الهمامي المناضل الحقوقي المحترم. بل قد تكون أداة في يد أعداء الديمقراطية للعبث بالمسار، مثلما كان حال الهيئات الأخرى. ولن ينجح القضاء التائق إلى الاستقلالية في تثبيت استقلاليته في ظلّ الشروط الحالية، مع ضرورة تواصل معركة الاستقلالية بتغ يير الشروط لبلوغ الهدف. وهي شروط كانت في صالح القديم الذي نجح في إفراغ المؤسسات الدستوريّة والتعديلية من مضامينها بهرسلتها وتتفيهها والتشكيك في دورها حينا، واحتوائها حينا آخر.
مستقبل المحكمة الدستوريّة مرتبط بمستقبل التجربة كلها، وهي جزء منها في نفس الوقت، وستكون انتخابات 2019 نافذة على هذا المستقبل قد نرى من خلالها بعض ملامحها. وفي كل الأحوال هي عركة لن تنتهي غدا.
الأمر لا يتعلق بالمؤسسات في ذاتها، وإنّٰما بقواعد اللعبة وميزان القوى وصراع اللوبيات والمصالح ومنزلة الثقافة الديمقراطية في المشهد.
المؤسسات كالنصوص المرجعيّة ( الدستور ) ليست أكثر من صدى لما تقدّم.