إلا طاووس لا بواكي لها..
نصر الدين السويلمي
سمع الرسول صلى الله عليه وسلم نساء الأنصار يبكين أزواجهنّ يوم أُحد، فقال “ولكن حمزة لا بواكي له”، حق لنا اليوم ونحن نشيع طاووس أن نستعير عبارة الحبيب، إلا طاووس لا بواكي لها، ترحل أقدم ارملة في تونس، ترحل المرأة التي قرر بورقيبة أن تترمل حين بلغت 38 سنة من العمر، قرر رجل وسيلة أن يرحل راجل طاووس، لتظل بعده طاووس 56 سنة بلا لزهر الشرايطي، ترحل زوجة الزعيم في صمت، يتجاهلها احفاد واولاد الذين شاركوا في قتل الزعيم، وباركوا قتل الزعيم، ونظموا الأشعار في من قتل الزعيم، كيف يؤبنون طاووس وهم الذين دفعوا اموال الفقراء لإعادة أصنام من رمّل طاووس، أعادوا أصنام زعيمهم وهم الذين انتزعوها تحت وقع الزغاريد حين انقلب عليه الجنرال! بأموال الفقراء احتفلوا بالجنرال، وبأموال الفقراء انتزعوا أصنام زعيمهم وبأموال الفقراء أعادوا أصنام زعيمهم.
كم هم خبثاء وكم نحن أغبياء!!! استثمروا في بورقيبة قبل عزله بالتزلف إليه والتمعش من تونس بفضله، ثم استثمروا فيه حين باركوا عزله وتقربوا الى بن علي بجفاء العجوز المريض المركون في الساحل يترقب أجله، ثم عادوا بعد الثورة يستثمرون فيه من جديد، أحزاب وشوارع وثقافة وسياسة وتاريخ وامجاد وهمية، منظومة كاملة شيدت نفسها على شيخ مسن اسلمته قديما الى النسيان والتجاهل ولم تكلف نفسها حتى المشي في جنازته او الترحم عليه في عمود يتيم على الصفحة الأخيرة لجريدة مجهولة!!! عاش زعيمهم في القصور وعاشوا هم يأكلون على موائده ثم موائد غريمه ثم موائد قبره وأصنامه، فيما فشلنا نحن في إعادة الاعتبار للشرايطي وصالح بن يوسف وغيرهم من الذين لم تتوفر لهم فترة نقاهة، مباشرة من مواجهة الاستعمار الى غدر بورقيبة، فلا هم استمتعوا بثمرة نضالهم ولا نحن استمتعنا ببطولاتهم واستطعنا تحويل تضحياتهم الى تنمية واستثمارات وتوزيع عادل للثورة وحرية وعدالة، نسينا نحن الزعماء والشهداء، ومازالوا هم يتمعشون من زعيمهم الذي امتصوه في مقتبل العمر، ثم لفظوه في أعقاب عمر، ثم لعقوه بعد عمر. وبقدر ما أحسنوا إدارة مواردهم الشحيحة الخبيثة، بقدر ما فشلنا في ادارة ثروتنا النضالية الشريفة، لقد خلخلوا قناعاتنا واستعملوا تجاهنا نوعية نادرة من الضغط الماكر، حتى بتنا نستنكف من تكرار ذكر صالح بن يوسف ولزهر الشرايطي، ثم بالغوا في نخر معنوياتنا، حتى اصبحنا نخجل من ذكر البوعزيزي باستمرار، وحين نذكر سبعطاش ديسمبر نلتفت في ارتباك لعلنا كفرنا او تطاولنا على الذات الذوقية، لقد حاصرونا نفسيا، حتى أصبحنا نتعوذ من ثروتنا النضالية، بينما حولوا هم فصول الخيانة الى تراتيل وأوراد يومية، يدمنونها ولا يملون ولا يخجلون! معارك نفسية خسرناها بالجملة، ولولا ضخامة وفخامة وجسامة الانجاز السبعطاشي، لانتهينا وليمة نفسية دسمة على موائد هذا الخبث الطافح.
لا الثورة على المستعمر الفرنسي أنصفت لزهر الشرايطي، ولا الثورة على عصابة المستعمر الفرنسي أنصفت طاووس، نزل الفلاڨة من الجبال ليستقبلهم الموس والشطاير وحبال المشانق، وعاد شباب ثورة سبعطاش ديسمبر من الساحات الى ديارهم بدمائهم وغباراهم، فخرج بعدهم الصبايحية لنصب أصنام زعيمهم في تلك الساحات.. ومازال الصبايحية يصنعون القرار، ومازلنا نحن بلا قرار.. رغم انهم يستمدون مجدهم من خابية الانذال ونستمد مجدنا من خابية النضال.. هــــــــــا ترحل طاووس الشرف في صمت، وهــــــا تبقى تونس تحت ذمة بومة العار، تغرد في قنواتها ومذياعها.. وهــــــــا كل المنطق يؤكد ان الهزيمة لا يمكن ان تكون شريكة في الانتصار، والعار لا يمكن ان يحاذي الشرف، لا روابط نسب ولا صلة رحم تجمع بين غبار الخناق ودخان الفنادق، ذاك غبار المعارك، والآخر دخان الزطلة، حشيش راهو حشيــــــــش، معناها ماريجوانا.. الله يرحمك يا طاووس، الله يرحمك آ حنانة.