رسالة متعجرفة من ماتيو سالفيني إلى هشام الفوراتي..

نصر الدين السويلمي

ذكرت وكالة الأنباء الإيطالية الخاصة والتابعة لمجموعة آدنكرونوس “آكي”، أن نائب رئيس الوزراء الإيطالي وزير الداخلية ماتيو سالفينى، وجه رسالة الى نظيره التونسي هشام الفراتي، حول مسألة الهجرة الغير شرعية، جاء فيها “..تدفقات الهجرة لا تزال تمثل قلقا كبيرا، وفى مناسبات عديدة، تمكنت من لمس الالتزام التونسى، فى منع إنطلاق العديد من المهاجرين غير النظاميين، ومحاربة المتاجرين بالبشر واعتماد مبادرات لمكافحة الإرهاب… لكن السيناريو الحالى يتطلب منا، مع ذلك، تكثيف الجهود، وقبل كل شىء من ناحية التدخلات الرامية إلى منع وتثبيط انطلاق المهاجرين السريين، وكذلك تكثيف أنشطة التحقيق والتحريات، وتعزيز العمليات الميدانية فى أكثر المناطق حساسية… يجب علينا تسريع نموذج التعاون القائم أصلاً، بدعم أوروبى أيضاً، وتعزيز قدرات المراقبة البحرية، من خلال التطوير النهائى لنظام متكامل يعتمد على محطات الرادار وهياكل تشغيلية… كذلك من ناحية إعادة المهاجرين إلى أوطانهم، لدينا نموذج حقيقي للعمليات، ويمكننا تحقيق مستويات أعلى من الفعالية من خلال إعادة تشكيل العمل على أساس مرونة أكبر باستخدام سفن النقل العام”.
رسالة طويلة تطرق فيها الوزير الإيطالي المعروف بصلفه، الى محاور المراقبة وسبل تعزيزها والعمليات الميدانية وانشطة التحقيق واعادة المهاجرين! وكانه يوجه تونس الى بوليس هجرة بدل البوليس السياسي، ولا غرابة فالوزير سالفيني المعروف بعنصريته، لم يكن من المتحمسين للمعالجات التي تركز على التنمية كحافز لمحاربة الهجرة الغير شرعية، أكان ذلك في ايطاليا او في أوروبا، ورغم أن لتونس ودول الضفة الكثير من المطالب الأخرى المتعلقة بالمشاريع الصغرى والمتوسطة، وغيرها من مشاريع الدعم، فإن الوزير الإيطالي ركز فقط على تونس البوليس والحارس والحامي لحدود إيطاليا وبالتالي أوروبا، كما أن سالفيني يعتبر من السياسيين الذين يرغبون في تقديم المساعدات التي تسهم في مكافحة الهجرة، كالزوارق ووسائل الإنذار ووسائل المراقبة وغيرها من المعدات، إذْ لا تهمه معالجة المسالة من جذورها باشكال عميقة ومثمرة، بقدر ما يهمه تقوية أسطول المراقبة التونسي وتخصيص كل المساعدات او جلها لدعم حرس السواحل، ولما لا إحداث وحدات استخباراتية تخترق النسيج الاجتماعية وتنتهك الخصوصية لتنفيذ ضربات استباقية تحمي من خلالها الحدود الايطالية! كما سبق للوزير المثير واقترح مساعدة تونس في إقامة مخيمات للاجئين على أراضيها! ثم هو صاحب التصريح المسيء الذي قال فيه: “تونس، البلد الحر والديمقراطي لا يرسل إلى إيطاليا أشخاصا شرفاء، بل في أغلب الأحيان وبصفة إرادية مساجين سابقين”.
هكذا جانبت حلول الوزير الإيطالي ملامسة المشكل من أساسه، وتركزت على الجانب الأمني دون التنموي، ساعده في ذلك وزير الخارجية خميس الجهناوي الذي ركز بدوره على الأمن حين قال: “ونحن في تونس نعتقد أن هناك أساليبا أخرى لحل ملف الهجرة على رأسها مكافحة كل أشكال الهجرة غير الشرعية حماية للمواطنين ولأمن الدول الأخرى”، في الوقت الذي يتحتم على صناع القرار في تونس الضغط بقوة، من أجل الارتقاء بملف التنمية الى سلم الأولويات في معالجة ظاهرة الهجرة الغير شرعية، وعدم الاكتفاء بلعب دور شرطي الساحل الوفي، أي نعم نحن نرغب في حماية ابنائنا من الإبحار العشوائي وما يعنيه من مخاطر، لكن شبابنا يحتاج الى التنمية ليظل في بلاده ولا يحتاج لتشديد الحراسة على السواحل، فحين يرغب في الإبحار سيجد أمامه سواحل مغاربية مترامية تبلغ 6505 كلم، بنسبة 28% من سواحل العالم العربي. اوروبا التي رصدت سنة 2018 أكثر من 90 مليون يورو، لملف الهجرة الغير شرعية، خصصت منه فقط 6.5 مليون يورو لمساعدة اللاجئين ومنظمات الاغاثة، والبقية لحماية السواحل والحيلولة دون وصول نزار ونبيل وبوعلام وايبيل وبيهاتي وديالا وكديرا وغيرهم الى السواحل الاوروبية.
ولعل النقطة المشرفة التي تحسب للجانب التونسي أنه صمد في وجه عروض ضاغطة، بل وعروض مقايضة بشعة طوال السنوات الماضية، حيث كررت أوروبا سنة 2016 و2017 و2018 عرضا لتونس باستضافة مخيمات للاجئين الافارقة على أراضيها مقابل امتيازات لا تتعدى ذر الرماد في العيون، لكن بلادنا رفضت ذلك، وطالبت بحلول اخرى واقعية، عليها ان تسميها وتضغط من أجل إقرارها، فلا يمكن لأوروبا التي رصدت سنة 2015 ميزانية لهذا الغرض وصلت الى حدود 4 مليار يورو، أن تحول بعض ملايين اليوروات الى التنمية، والبقية تصرف في انشاء جيوش من الحرس البحري بتقنيات رهيبة متطورة ومتجددة، بينما لو قامت أوروبا بضخ مثل تلك الميزانية في التنمية لانتهت القصة.

Exit mobile version