فتحي الشوك
مباشرة بعد تنفيذ ركلة الجزاء الخامسة التي استقرّت في مرمى الحارس الغاني خرجت الجماهير التونسية على بكرة أبيها إلى الشوارع لتعبّر عن فرحة طال انتظارها، كانوا شيبا وشبابا، نساء ورجالا، كبارا وصغارا، مترجّلين، ممتطين للعجلات او على متن السيارات والشاحنات والحافلات، مشهد احتفالي استثنائي لم نشهده منذ سنوات حتّى في الزّمن الّذي كانت تهدى فيه الانتصارات للطّغاة حينما كنّا نفرح ونعمل ونتزاوج ونتنفّس لأجلهم.
يقول البعض هي في النّهاية مقابلة لكرة القدم الافيون المخدّر لوعي الشّعوب والهائها عن الاستحقاقات الحقيقية في عمليّة تحويل للصّراعات مع انّ أصحاب المقولة في جعابهم أصناف أخرى من المخدّرات للأدلجة والتطويع والهيمنة وتوجيه القطيع وان تمكّنوا فلن يتركوا ميدالية برونزية هنا او انتصار هناك الّا واستثمروه دعاية وبرهان على سلامة المنظومة والبنيان.
انفق الانقلابي السيسي 9000 مليار جنية مصري لأجل بطولة اراد من خلالها تلميع صورة وجهه القبيح واستغلّها مناسبة لتصفية الرّئيس الشرعي محمّد مرسي فذهبت امواله في مهبّ الرّيح ليجني الخزي والخسارة وليضطرّ في النًهاية لمتابعة فريق بلدين يحاربهما سرّا وعلانية، الجزائر وتونس اللّذان قد نجدهما ان شاء الله في النّهائي وهما يمثّلان ارادة الشّعوب والشًعلة المضيئة في عتمة صحراء التوحّش والاستبداد العربي.
وقد سبق للامارات ان استثمرت ملايين الدولارات في مسابقة كاس أمم آسيا لتقدّمها على طبق من ذهب لضريرتها قطر من ناصرت ثورات الرًبيع العربي.
هو انتصار للثورة على الثورة المضادّة في عقر دارها وباموالها، ومن يقول أنّ هذا تضخيم لمجرّد مقابلات رياضية وتحميل لها ما لا يتحمّل فليضع الفرضيّة العكس وليشاهد ماذا كان سيقع لو نجحوا وتحقّق ما كانوا يخطّطون له.
لا تدخل الرياضة في السياسة سيعترض بعضهم، كما قولهم لا تدخل الدين في السياسة، وكذلك الاخلاق والاقتصاد والفنون والآداب وحتى الحياة، أي سياسة بلا شيء، فارغة هلامية بلا معنى ولا روح، أيّة سياسة هذه الّتي يعرّفونها على هواهم كما يشاؤون للاستمرار في الاستباحة والإذلال والإستبداد؟
بالامس فرحت تونس فرحة لا توصف، فرحة بلا ميعاد واروع الفرحات تلك الّتي تأتي حين ييأس الجميع من قدومها، فرحة وحّدت ما فرّقته اختلافات التوجّهات والرّؤى، فرحة صادقة عفوية بألوان زاهية مختلفة بهيّة، فرحة اراد تغييبها خفافيش الظّلام والغربان فأبت الاّ ان تشرق وتتجلّى.
هي تعادلات ونصف انتصارات ومرور بالحدّ الادنى فما أروع ذاك المرور وانصاف الانتصارات فذاك المرجو في قاموس المقاومة حيث لا توجد انتصارات حاسمة، يكفي ان تتصدّى للضربات وتبقى صامدا شامخا لتستمرّ في المقاومة.
فرحت تونس لان جموع الفارحين يحسّون صدقا أنّها فرحتهم ولن يسرقها أحد منهم ولن ينسبوها إلى اصحاب الفخامة والجلالة.
كم كنّا نحتاج لتلك الفرحة؟
هي فرحة في انتظار افراح حقيقية اخرى تنتقل من ميادين اللّعب الى مجالات الواقع.
هي مبشّرات وأوّل الغيث قطرة.
د.محمد فتحي الشوك