Site icon تدوينات

الخميس الأسود وما بعده : مسلك محمد الناصر غريب.. وصمته مريب

نور الدين الختروشي

نور الدين الختروشي

نور الدين الختروشي

يبدو ان يوم الخميس تعود على الإقامة في الذاكرة الوطنية فأول مرة يستعمل فيه بورقيبة الرصاص لسفك دماء مواطنيه في الشوارع كان يوم إضراب الشغيلة يوم الخميس 26 جانفي، 1978 ثم كانت انتفاضة الخبز الدموية يوم الخميس الأسود في 3 جانفي 1984، وها قد عاد منذ اسبوع خميسنا بسواده ودمه و شؤمه حيث ضربَ الارهاب الاعمى في قلب العاصمة مرتين وكان مخططا ان يضرب في نفس اليوم في ستة مواقع لولا ألطاف الله ويقظة قواتنا الامنية.
ما جعل هذا الخميس “أسودا” ليست العمليات الارهابية التي كانت بمقاس ما كان يمكن ان تحدثه من خسائر ورعب فاشلة، بل ما واكبها بالصدفة من تعكر صحة رئيس الدولة وإشاعة خبر وَفاته بعيد ساعتين من تنفيذ العمليتين.
القصة بدأت بتدوينة للسيد قفراش مستشار الرئيس عبر حسابه الفايسبوكي تحدث فيها عن الحالة الصحية الحرجة للرئيس التسعيني وهو ما تأوله الرأي العام على أنه استباق للإعلان عن وفاته.
انتشر خبر وفاة الرئيس وأصبح من المسلمات خاصة بعد ورود الخبر في قنوات عربية ومنصات إعلام خارجية استبعد الرأي العام ان تضحي مصداقيتها ومهنيتها بنشر خبر كاذب بهذا الحجم.
هذا وغيره من التفاصيل التي تابعناها يوم الخميس الأسود الثالث معروفة ومتداولة وحصيلتها بالنهاية نسيان العمليتين الارهابيتين والفزع العام من انتشار إشاعة موت الرئيس.
ردود الأفعال في الداخل والخارج لم نتباعد فما عدى بعض المواقف الشاذة أخلاقيا وسياسيا والتي انتشت لموت الرئيس، سجل الرأي العام في تونس نقطة مضيئة جديدة في تعاطيه مع يوميات ما بعد ثورته وجلها من الجديد الذي لا يملك دراية ولا خبرة في التعامل معها وإدارتها. عكست عمق الوعي الشعبي والنخبوي بحد الفصل بين الخصومات السياسية وحدّة التجاذبات اليومية، وبين الوحدة ونسيان الخلافات عند حد الانتماء للوطن والمصلحة الوطنية.
يمكن الآن بعد اقل من اسبوع من خميس الإرهاب والاشاعة والارتباك حد الرعب.، ان نسطر الملاحظات التالية على الهامش :
1. درجة قلق وانشغال الرأي العام مع اشاعة وفاة الرئيس أحالت على حقيقة عميقة للضمير السياسي الجمعي الذي يستبطن صورة الرئيس /الأب، ولا يتخيل بل لا يقبل حقيقة أن الرئيس في تونس الجديدة لا يحكم. والسابق يثير بجدية سؤال مباشر حول مدى صوابية اختيار نظام برلماني لحكم شعب لا يحتمل بل يخاف أن يعيش يوما من دون رئيس.
2. أن تزامن العمليات الارهابية مع إشاعة موت الرئيس واثارة قضية الفراغ الدستوري واستحالة تطبيق الفصول المتعلقة بالحالة مع عدم وجود محكمة دستورية وفرضيات استدعاء الحلول الاستثنائية او الانقلابية المقنعة، كل هذا عقّد وصعّب على المحلل الهارب من بساطة التفسير التآمري لتفسير وتأويل مستجدات الخميس الأسود خارج حدود المؤامرة، خاصة وأن الحالة الديمقراطية التونسية هي الديمقراطية الاولى المكتملة والمولودة من رحم ثورة شعبية في الفضاء العربي الذي تعيش بعض أقطاره تحولات ديمقراطية وازنة ومعتبرة ولكنها غير مكتملة بحكم انها نتاج مبادرة فوقية من النخب الحاكمة ومنتظمة تحت عنوان التحول الديمقراطي
الديمقراطية المنجزة في تونس تثير قلق أنظمة خليجية معروفة، حيث تواترت طيلة سنوات ما بعد الثورة المعطيات والمؤيدات التي تفيد بمحاولاتها المتكررة للتشويش على المسار في الادنى وايقافه في الاقصى ولم تكن صدفة أن تتداول خبر وفاة الرئيس قنوات اخبارية قريبة من تلك الاطراف. كما لم يكن مستغربا ان الاصوات الشاذة الني روجت لانقلاب وشيك من تخطيط النهضة وحلفاءها ان تكون قريبة من نفس المحور الخليجي المعادي للمحور التركي /القطري.
عززت المؤشرات السابقة من مشروعية القول بأن ما حدث يوم الخميس يندرج ضمن استراتجية مضادة لارادة التونسيين في توطين الديمقراطية كمنجز تاريخي ماثل وملموس من ثورة الحرية والكرامة. وتقديري هنا ان الرابط الميكانيكي المباشر بين توعك الحالة الصحية للرئيس والعمليات الارهابية بلا سند معقول ولكن توظيف هذا التزامن لا يمكن تأويله خارج مدار تفكير واهتمام الحلقات الداخلية الفاعلة في افق الردة على المسار والحنين للاستبداد ومن َراءها ومن أمامها ومن تجتها ومن فوقها القوى الدولية والاطراف الاقليمية التي لم تبدي ارتياحا للتجربة التونسية وتبدي استعدادا كامنا لمساندة استراتيجيات الالتفاف عليها والتآمر على استقرارها.
3. ما بقي الي حد الساعة معلقا في فهم وتأويل ماجرى هو ما أصبح يعرف ب “انقلاب مورو” وملخصه ان الاعلامي لطفي لعماري قد روج لتخطيط نائب رئيس المجلس النيابي الشيخ عد الفتاح مورو لتسلم مهمام رئيس الدولة واستبعاد السيد محمد الناصر رئيس البرلمان لدواعي صحية ودليله دعوة مورو لرؤساء اللجان المعنية والكتل لاجتماع طارئ لتداوس اليات انتقال السلطة بعد وفاة الرئيس وعدم اعلام محمد الناصر بذلك ولولا فطنة النائب الندائي المتعلقة به قضية رشوة سفيان طوبال الذي أعلم المعني بالمؤامرة واستدعاه على عجل ليحبط مخطط الانقلاب النهضوي لنجح مورو في مخططه الجهنمي.
هذا ملخص السيناريو الذي بقي الي حد هذه الساعة محل جدل وتراشق بين المعنيين. وآخر فصول التعاطي مع هذه الرواية الغريبة هو رفض رئيس البرلمان الاجابة عن استفسار بعض النواب عن حقيقة ماجرى خاصة وان الشيخ مورو قد بين بدليل مكالماته الهاتفية محاولة اتصاله اكثر من مرة بالمعنى وكذلك أكد عدد احر من النواب مما ينسف من الأساس رواية لطفي لعماري التي تبناها جزء أقلي ومؤثر من صناع الرأي العام.
حقيقة ما يثير الاستغراب ليست رواية لعماري فالرجل قد عرف بعدم مهنيته وانحيازه وشطحاته ما يثير الريبة والانشغال هو صمت محمد الناصر المتواطئ مع الرواية. وما يثير الدهشة والاسئلة العميقة هو سلوك رئيس البرلمان يوم الخميس الاسود،
وقد لخصت التدوينة التالية لمدير جريدة الرأي العام مدار الدهشة أمام غرابة تعاطي السيد محمد ناصر مع الحدث َما تلاه حيث كتب محمد الحمروني على جداره البارحة متوجها بحديثه للمعني ما يلي:
“محمد الناصر غايب دون اسباب واضحة، رغم ما قيل عن مرضه، تقع عمليتان ارهابيتان وهو ماهوش هوني..
يمرض الرئيس وهو ماهوش هوني.. وتصدر اشاعة مغرضة بانه توفي وسي محمد ماهوش هوني..
يقع الاتصال به اكثر من مرة من ساعة 11 تقريبا الى الساعة 3 بعد الظهر وهوة ما هوش هوني..
ولا يجيب الا في المرة الثالثة بعد نحو 3 ساعات من الاتصال الاول به..
استنفار في البلاد وقنوات اجنبية تكذب وتقول الرئيس مات وهو ما هوش هوني..
هذا مسؤول في الدولة..
هل كان يجب ان يقع الاتصال به لكي يلتحق بمجلس النواب..
الم يكن اولى به بمجرد وقوع العملية الارهابية الاولى الالتحاق بالمجلس.. وتحمل مسؤولياته..
هل تعتقد ان البلاد ستنتظر ان تجيب سيادتك على التلفون وتتكرم بالالتحاق بالمجلس في الوقت الذي كان فيه الوطن يعيش أوقات عصيبة..
الراجل قريب يلحلحو بيه باش يمشي لمجلس النواب..
اليوم قال انه سيقوم بالتحقيق فيما جرى..
اول سؤال يجب ان يوجه لك.. اين كنت لما كانت البلاد تواجه عمليات ارهابية واشاعات بوفاة الرئيس..
ولماذا لم تلتحق بالمجلس للقيام بواجبك بمجرد سماعك بالعمليات الارهابية..
ولا اعتقد انه لم يكن لديك علم بمرض الرئيس وما كان يجري في البلاد..”.
ستبقى الأسئلة الواردة على جدار الحمروني حلقة الغموض الوحيدة في ما حدث يوم الخميس الأسود والاكيد ان الاجابة عنها لن تكون في الأيام القليلة القادمة…
الرأي العام “التونسية”

Exit mobile version