صالح التيزاوي
كذبتان من الحجم الثّقيل أطلقهما بعض من احترفوا التّضليل الإعلامي في أقلّ من أسبوع، كانتا كافيتين لإثارة فتنة مجتمعيّة لا يعلم مداها إلّا اللّه، لولا أن افتضح أمر الكذّابين كما في كلّ مرّة، ورغم ذلك فهم لايتوبون…
الأولى: تمّ إطلاقها مباشرة إثر العمليّات الإرهابيّة الغادرة التي تزامنت مع المرض المفاجئ لرئيس الدّولة ورئيس مجلس النوّاب، وفي الوقت الذي كانت تونس تحتاج فيه إلى الوحدة حول مؤسّسات الدّولة، أبى صاحب السّترة السّوداء إلّا أن يطلق كذبة جديدة لا تقلّ سخافة عن كذبة الأنفاق، أطلق كذبته وسط أجواء عصيبة ومشحونة، مفادها أنّ النّائب الأوّل لرئيس مجلس نوّاب الشّعب خطّط للإنقلاب على السّلطة مستفيدا من فراغ دستوري لا يوجد إلّا في خياله المريض.. وأطلّ علينا برواية لا يصدّقها عاقل ولا تخطر على بال أوسع كتّاب السّناريوهات خيالا..
الثّانية: تزامنت مع العمليّة الأمنيّة النّاجحة بحيّ الإنطلاقة، حيث تناقل بعض النّشطاء على شبكات التّواصل الإجتماعي خبر العثور على كمّيّة من المتفجّرات مخبّأة في باحة أحد مساجد الحيّ، لينطلق على جناح السّرعة التّوظيف الإعلامي الفجّ، دون التّأكّد من صحّة الخبر من مصادره، فيما بدا أنّه استراتيجيّة إعلاميّة لإثارة الفتن، تبدأ بكذبة ثمّ تبنى على أساسها تحاليل سياسيّة كيديّة في منتهى المكر.
بدت الفرصة مواتية للرّبط مجدّدا بين الإرهاب والمساجد، حسب زعم محترفي الإشاعات، فإذا المساجد مازالت خارج سيطرة الدّولة، بما يوحي وأنّ الإرهاب يتمتّع بحاضنة ضمن روّاد المساجد، وذلك أمر يفنّده الواقع وتلك رسالة سلبيّة يبعث بها الإعلام المضلّل للعالم الخارجي ونحن في أوج موسم سياحيّ واعد وعلى مشارف محطّة انتخابيّة هامّة في تكريس المسار الدّيمقراطي. ولم تتأخّر الإعلاميّة المرعبة عبقريّة زمانها صاحبة المقولة الشّهيرة “العيّاشي الهمّامي يمثّل اليسار الإسلامي” لم تتأخّر في أخذ نصيبها من التّوظيف السّياسي والحزبي الرّخيص وكيل التّهم لمن لا ترى لهم حرمة في انتهاك أعراضهم والإفتراء عليهم وتشويههم ولو من طريق الكذب وليّ عنق الحقائق ليّا والدّوس على مبادئ وأخلاقيات التّعاطي الإعلامي النّزيه والموضوعي.
كلّ ذلك تحت أنظار كبيرتهم التي تبدو في قمّة النّشوة والمتعة بما تسمع، ترى ذلك في بريق عينيها وفي ابتسامة عريضة تكاد تبدي نواجذها وفي إيماءة من رأسها، علامة على الموافقة والتّأييد.. وقد تتغيّر ملامحها فجأة من صحو إلى غائم كلّيّا عندما يدعو شكيب إلى التّعقّل وعدم التّسرّع في التّحليل قبل أن تتكشّف الحقائق… كلام لا يعجب من لم يتطلّع يوما أن يكون ديمقراطيّا ولا موضوعيّا.. تقع مقاطعته مرّات ومرّات خوفا من أن يفسد عليهم وليمتهم..
الآن وقد تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فلا وجود لمؤامرة انقلابيّة كما روّج لها صاحب السّترة السّوداء، ولا صحّة لخبر المتفجّرات المخبّأة في باحة المسجد، فهل تكون لديهم الشّجاعة للإعتذار عن الكذبتين؟