Site icon تدوينات

هل دعوة الناخبين إلى الانتخابات بواسطة أمر رئاسي شرط وجوب لصحتها ؟

عبد السلام الككلي

عبد السلام الككلي

عبد السلام الككلي  وعلي الجوابي

ينتظر التونسيون بفارغ الصبر وبكثير من التوجس صدور الامر الرئاسي المتضمن دعوة الناخبين الى الانتخابات التشريعية اذ ان يوم 6 جويلية 2019 هو الاجل الأدنى (ستون يوما قبل اجرائها) بالنظر الى موعدها وهو 6 أكتوبر 2019 بحسب الرزنامة التي أعلنت عنها هيئة الانتخابات وبحسب ما يقرره الفصل 101 من القانون الانتخابي.
الدعوة الرئاسية : مشاكل لا تنتهي
ليس من الجديد ان تثير دعوة رئيس الجمهورية الناخبين الى الانتخابات مشاكل قانونية فللتذكير فقد كانت الدعوة في سنة 2014 محل جدل أيضا كيف ذلك ؟
لقد ختم الرئيس محمد المنصف المرزوقي، يوم الخميس 24 جويلية 2014، القرارين الجمهوريين عدد 163 و164 المنشورين بالرّائد الرّسمي عدد59 (خاص) المؤرّخ في 26-7-2017 ويتضمّن القرار الأول دعوة الناخبين بالبلاد التونسية إلى انتخاب رئيس الجمهورية في الدورة الأولى يوم الأحد 23 نوفمبر 2014 ودعوة الناخبين بالخارج إلى انتخاب رئيس الجمهورية في الدّورة الأولى أيام 21 و22 و23 نوفمبر 2014.
أما القرار الجمهوري الثاني فيدعو الناخبين بالبلاد التونسية إلى انتخاب أعضاء مجلس نوّاب الشعب يوم الأحد 26 أكتوبر 2014، ويدعو الناخبين بالخارج إلى انتخاب نواب مجلس نواب الشعب أيام 24 و25 و26 أكتوبر 2014.
وقد صدر هذان القراران تنفيذا للقانون عدد 36 لسنة 2014 المؤرّخ في 8-7-2014 والذّي حدّد فيه المجلس الوطني التّأسيسي مواعيد أوّل انتخابات تشريعية ورئاسية بعد المصادقة على الدّستور فيكون الأحد 26 أكتوبر 2014 موعداً رسمياً ونهائياً لإجراء الانتخابات البرلمانية، على أن تجرى الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية في 23 نوفمبر من نفس السّنة ومن الواضح أن الدعوة الصادرة عن رئيس الجمهورية كانت طبقا لأحكام القانون الانتخابي في فصله 101 الذّي ينصّ على أن دعوة الناخبين تتمّ بأمر في اجل أدناه ثلاثة أشهر قبل موعد الاقتراع في الرّئاسية والتّشريعية والجهوية والبلدية.
لقد بيّن المشرّع الجهة التّي لها صلاحية دعوة النّاخبين ولم يبيّنها الدستور التونسي بخلاف الدستور الفرنسي فقد أسند في الفصل 7 منه الى الحكومة صلاحية دعوة الناخبين فيما يخصّ انتخاب رئيس الجمهورية أما فيما يخصّ انتخاب أعضاء غرفتي البرلمان الفرنسي فإن الفصل 25 من الدّستور ينصّ على أنّ قانونا أساسيا يحدّد عدد أعضاء كلّ غرفة والمدّة النّيابية وشروط التّرشح والموانع
لقد اتّخذ النصان الصادران عن رئيس الجهورية الداعيين إلى الانتخابات شكل قرار لا شكل أمر وهو ما اعتبره بعض رجال القانون خطأ شكليا في مخالفة لمنطوق الفصل 101 المذكور أعلاه لكن بالاطّلاع عليهما يتّضح أنّهما أسّسا على الفصل 11 من القانون التّأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العمومية الذّي مازالت بعض أحكامه سارية عملا بالفصل 148 من الدّستور المتضمّن للأحكام الانتقالية.
ينصّ الفصل 11 المذكور على أن «ما يصدر عن رئيس الجمهورية يأخذ شكل قرار جمهوري» وهو ما قد يوحي بأن الرئيس المرزوقي كان على صواب. رغم أن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين رفضت الطعن الذي أثاره لديها بعض النواب إبان مناقشة القانون الانتخابي وتمسكت بالفصل 101 على صيغته الحالية (تتم دعوة الناخبين بأمر رئاسي) وأصدرت في ذلك قرارا معللا (القرار عدد 5) علما أن قراراتها ملزمة لكل السلطات بمن في ذلك رئيس الجمهورية…
ومهما يكن من أمر المشكل القانوني المثار وقتها فقد التزم رئيس الجمهورية بهذا التاريخ بشكل دقيق جدا إذ صدرت الدعوة بالرائد الرسمي يوم 26 جويلية 2014 علما بان الانتخابات التشريعية داخل الجمهورية جرت يوم 26 اكتوبر من نفس السّنة لاسيّما أنّ المجلس التأسيسي عيّن بقانون موعد تلك الانتخابات. هذا الالتزام الحرفي بهذه الدعوة ثم صدور دعوات رئاسية في الانتخابات البلدية سواء كانت عامة او جزئية جعل البعض يعتقد ان الدعوة امر ملزم وشرط وجوب لصحتها فهل يمكن قبول هذا الراي دون أي تردد ؟ لا يبدو الامر كما يظن البعض محسوما اذ هناك رايان متناقضان فيما يخص قضية الدعوة الرئاسية سنحاول عرضهما في هذا المقال دون ادعاء حسم الحوار في ما يخص هذه المسالة.
لا يتوقف اجراء الانتخابات على الدعوة الرئاسية
1. يقوم هذا الراي على معطى اولي يعتبره أساسيا وهو انه لا يوجد في دستورنا أي تنصيص على هذه الدعوة سواء كانت بأمر رئاسي او حكومي وذلك بخلاف الدستور الفرنسي الذي راينا انه ينص في فصله السابع على هذه الدعوة بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية سواء في دورتها الأولى او الثانية.
2. بعد الثّورة أحدثت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات وأسند لها القانون القيام بجميع العمليات ذات الصّلة بالانتخابات والاستفتاءات وقد عدّد الفصل 3 من القانون المحدث لها مهامها في 18 مطّة والتّي من بينها في المطّة الخامسة «وضع روزنامة الانتخابات والاستفتاءات واشهارها وتنفيذها بما يتّفق مع المدد المقررة بالدستور والقانون الانتخابي» لقد اسند لها القانون صراحة صلاحية وضع روزنامة الانتخابات وتنفيذ هذه الروزنامة التّي تصدرها في قرار ينشر بالرّائد الرّسمي. وهي تحدّد بواسطة الرّوزنامة مواعيد الاقتراع سواء للمواطنين المقيمين بالجمهورية أو المقيمين بالخارج.
انّ نشر الرّوزنامة بالرّائد الرّسمي للجمهورية التّونسية يجعلها تنفذ بقطع النظر عن أي اجراء آخر.. وبذلك فان أي قرار صادر عن الهيئة ملزم في ذاته ونافذ المفعول بحسب ما تقرره الهيئة نفسها في ما يصدر عنها من قرارت بمنأى عن أي اجراء شكلي آخر. فمن الملاحظ ان كثيرا من قرارات الهيئة تتضمّن عبارة »ينفذ حالا» وهو ما نلاحظه في روزنامة الانتخابات البلدية لسنة 2018 فلقد تعرّضت فيها لعدّة مسائل مثل تسجيل النّاخبين ووضع السّجل على ذمّة العموم وفتح باب التّرّشحات والاعلان عن القائمات المقبولة نهائيا والحملة الانتخابية وحدّدت موعد الاقتراع وضمّنت الروزنامة في قرارها عدد 22 لسنة 2017 المؤرّخ في 18 ديسمبر 2017 وقد جاء في الفصل الأخير من القرار العبارة المذكورة «ينفّذ حالا» وهو ما يعني ان قرار الهيئة لا يتوقف عند صدور الدعوة من عدمها.
3. ان النظام الانتخابي الذي اختارته تونس جعل من الهيئة المستقلة للانتخابات سيدة نفسها وهي لا تخضع الى اية رقابة او اشراف من قبل السلطة التنفيذية عدا سلطة القضاء الإداري بخلاف الأمر في بلدان أخرى مثل فرنسا حيث تشرف السلطة التنفيذية ذاتها على الانتخابات… وبذلك وعملا بهذه الاستقلالية في جميع مناحي نشاطها فان دعوة النّاخبين بأمر رئاسي اجراء شكلي لا يمكن ان يتوقف عليه اجراء الانتخابات والا فقدت عبارة »ينفذ حالا» الصادرة في كثير من قرارت الهيئة قبل صدور الدعوة الرئاسية أي مدلول وهكذا وبحسب هذا الراي فانه يستخلص منطقيا انه إذا تعذّر صدور الدعوة بسبب مرض رئيس الجمهورية او بسبب أي مانع اخر فإنه لا مانع قانوني من ان تجري الانتخابات في موعدها الذّي ضبطته الهيئة في الروزنامة ونصّت عليه في قرارها المنشور في الرّائد الرّسمي والذي »ينفذ حالا» بحسب العبارة الصريحة الواردة في قرارها.
غير ان هناك رايا اخر في هذه المسالة نستعرضه هنا أيضا
قرارات الهيئة فيما يخص اجراء الانتخابات ولئن كانت ملزمة الا انها مشروطة بشرط شكلي وهو دعوة الناخبين بأمر رئاسي
1. جاء الفصل 101 من القانون الانتخابي صريحا في انّ دعوة النّاخبين تتمّ بأمر رئاسي وقد تمّ سنّه ونشره عام 2014 ونقّح عام 2017 أي بعد سنّ ونشر القانون المحدث للهيئة العليا المستقلّة للانتخابات عام 2014 ولو اتّجهت ارادة المشرّع الى جعل دعوة الناخبين من مشمولات الهيئة لنصّ على ذلك صراحة ولما حرّر الفصل 101 بشكله الحالي فالمشرّع كانت ارادته واضحة جليّة لا لبس فيها في انّ دعوة الناخبين تكون بأمر رئاسي.
2. ان مدلول عبارة «ينفّذ حالا» لا يجب التوقف عندها كثيرا اذ تبدو هيئة شفيق صرصار منسجمة تماما مع صلاحياتها فهي لا تستعمل هذه العبارة عندما يتصل الامر برزنامة الانتخابات. وعلى سبيل المثال نشر بالرّئد الرّسمي عدد 63 المؤرّخ في 5-8-2014 سبعة قرارات للهيئة من القرار عدد 11 لسنة 2014 الى القرار عدد 17 لسنة 2014 اشتملت جميعها على عبارة «وينفّذ حالا» وهو أمر مفهوم لان جميع موضوعاتها تدخل في مشمولات الهيئة اذ تتعلّق ثلاثة من هذه القرارات بعمل الهيئة مثل القرار عدد 12 لسنة 2014 الضابط لنظامها الداخلي ومثل القرارين عدد 13 لسنة 2104 وعدد 15 لسنة 2014 اللذين موضوعهما تفويض الامضاء وقد اشتملت هذه القرارات الثلاثة على عبارة »وينفذ حالا».
كما تتعلّق القرارات الاربعة الاخرى بالانتخابات الرّئاسية والتّشريعية لسنة 2014 اشتملت ثلاثة منها على عبارة »وينفّذ حالا» وهي القرارات 11 و 16 و 17 لأنّ موضوعاتها من مشمولات الهيئة فالقرار عدد 11 لسنة 2014 يتعلّق بقواعد واجراءات تسجيل الناخبين للانتخابات والاستفتاء ويتعلّق القرار عدد 16 لسنة 2014 بقواعد واجراءات الترّشح للانتخابات التّشريعية وامّا موضوع القرار عدد 17 لسنة 2014 فهو تنقيح فصول من قرارها عدد 14 لسنة 2014 تتعلّق بسجلّ الناخبين.
غير انها تمتنع في قرارها عدد 14 لسنة 2014 وهو يتعلق بالرزنامة الانتخابية عن استعمال هذه العبارة بما يعني عندنا انها واعية تماما بان الرزنامة اذا حددت مواعيد اجراء الانتخابات سواء كانت تشريعية او رئاسية تحتاج في تنفذها الى صدور الامر الرئاسي.
بيد ان الامر مع الهيئة الحالية برئاسة نبيل بفون ليست بهذا الوضوح فقد ضبطت الهيئة في قرارها عدد 5 لسنة 2019 المؤرّخ في 14-3-2019 روزنامة الانتخابات الرّئاسية والتّشريعية لسنة 2019 وحدّدت فيه مواعيد ثمّ عدّلت في قرارها عدد 10 لسنة 2019 موعد الاقتراع الخاص بالرّئاسية ولم يتضمّن هذان القراران صيغة التّنفيذ حالا لكنّها تستعمل صيغة التّنفيذ حالا في قرارها عدد 6 لسنة 2019 المؤرّخ في 18-3-2019 الضّابط لروزنامة الانتخابات البلدية الجزئية لبلدية سوق الجديد لسنة 2019 والذّي حدّدت فيه موعد الاقتراع وقد نشر القراران عدد 5 لسنة 2019 وعدد 6 لسنة 2019 بالرّائد الرّسمي عدد 25 المؤرّخ في 26-3-2019 وأصدر رئيس الجمهورية الامر عدد 45 لسنة 2019 المؤرّخ في 22-3-2019 يتضمّن دعوة الناخبين للانتخابات البلدية الجزئية في بلدية سوق الجديد لسنة 2019 ونشر هذا الأمر في الرّائد الرّسمي عدد 24 المؤرّخ في 22-3-2019.
وينضاف الى هذا المشكل  مشكل آخر لا ندري سببه وهو ان دعوة رئيس الجمهورية أحيانا تنشر متزامنة مع قرار الهيئة واحيانا تسبقها واحيانا تليها (وهو أمر يحتاج الى حديث خاص)
وخلاصة هذا الرأي الثاني ان الدعوة الرئاسية هي شرط وجوب لصحة الانتخابات وبدونها تكون معرضة للطعن في شرعيتها.
هكذا ما تنفك قضية الامر الرئاسي الداعي الناخبين للانتخابات تثير مشكلا اثر مشكل. هل يعود هذا الى غموض نصوصنا التشريعية أم الى تعاملنا نحن مع هذه النصوص… لا نملك هنا غير اثارة المشكل ام الجواب عليه فيعود الى المشرعين ورجال القانون لدينا.

Exit mobile version