الخال عمار جماعي
لا أُلقي بالاً ولا أُعير سمعاً للجمهور إذا كتب أو تحدّث باللغة الخشناء والعبارة السخيفة… فذاك شأن العامّة ! ولست وصيا على أحد أن يصدح برأي لا يروقني أو موقف لا يوافقني… فذاك أيضا شأن مَن قَبِلَ بالاختلاف ولو كان المختلف أحمقَ ! وإنّه لتمرّ أمام عيني من الحماقات ما يعدّل من مواقفي لأنّ كل هذا أمزجة الناس ومن حسن التقدير عدم الترفّع عن صاحب رأي مهما غالى فيه، بدعوى أنّنا “ثقفوت وقاريين بارشا كتب”… هذا حديث صالونات !
غير أنّ الأمر يختلف عندي تماما إذا تعلّق بخطاب رجل السياسة أو من نذر نفسه لهذا الدور. فمهما ضادد الموقف أو اختلفت الرؤية أو تعارضت المصلحة، فإنّ هناك حدودا دنيا لا ننزل دونها فنكون من “سقط المتاع” !…وما أكثرهم في ظلّ هذا الاسهال اللغوي ! الشارع التونسي كما قال عنه بيرم التونسي من زمان هو “شارع البذاءات”… وفي ظنّي أنّ أصل الشعبوية وما يرفدها من خطاب متدنٍّ ما هي إلا استعارة للخطاب الشوارعي لعلّه -وهذا وهم عظيم !- يلقى هوى في أنفس الناخبين!
إنّ مخاطبة خصمك السياسي بـ “التي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم” يرفعك في عين أتباعه فضلا على أهلك وعشيرتك السياسية. ولا تظننّ أننا من جماعة “أخلقة السياسة”… ذاك حلم -على الأقل في المستقبل المنظور- بعيد! ولكني ممن يدعون إلى ترشيد الخطاب السياسي بعيدا عن التشنّج وقلّة الأدب… فأنت إذا وقّرت عدوّك كنت سيّدا عليه (اقرأوا لعنترة العبسي في هذا وهو من هو !) فإذا ردّ عليك هو أو أحد أتباعه، غنمت أحد أمرين: إمّا احتراما باحترام أو بسط يد قد تحتاجها !
أتعلمون ما الذي أمسكني عن فلتات سي محمّد الطالبي أو “تزليطات” السيدة رجاء بن سلامة ؟
ببساطة لأن سي محمد -رحمه الله- شيخ طاعن في السنّ ولا أرضى أبدا لمثله أن أغلظ له قولا. وأما السيدة رجاء فلأنّها درّستني في مرحلة الماجستير (واختصمنا في الدرس !) ورفعت عني جهلي ولا أزال مؤمنا أن “من علّمني حرفا صرت له عبدا”!
شويّة رصانة لا تضرّ… وكثير من امساك اللسان عن الأذى تجارة رابحة !
والله أعلم…
“الخال”