تدوينات تونسية
أختلف معه بعد موته ولم أعرفه حيًّا
نور الدين الغيلوفي
الحياة تفرّقنا رغم كثير المعتبَر والموت لا يجمعنا رغم كونه عبرة العِبَر.. والعبرة يبلغها العقل متى استوى له الفهم، أمّا نحن فلا عقل بلغْنا ولا إلى فهمٍ وصلْنا.. عند كلّ منعطف لنا تهارُش لا يتوقّف كسائبات الكلاب في الزوايا المهجورة ومهمَلات القطط عند الأزقّة المظلمة.. الجهل يصحبنا والأخلاق تدافعنا والإنسان يغادرنا لغدرنا به ولفساد محتدنا…
من كان مطمئنا إلى مقامه لا يسوّل له عقله اتّهام نفسه كان أحمق لم يرتفع له رأس.. وعميت بصيرته فلم ير غير صورته المعطوبة ترتدّ إليه من مرآته المهشَّمة.. صورة بلا ملامح…
بعضنا يزداد سوءا.. وبعضنا يزيد على السوء.. قلنا إنّ الحرية ستعصمنا فما كان منّا إلّا أن ذبحناها على صخرة وضاعتنا.. ننقسم كما لا تنقسم الأجسام ونتصدّع فنحدث بتصدّعنا صوتا مخيفا.. ونتعارك ونتهارش ونتدابر ونتآمر.. فليس منا من التفاعل غير ما مزّق وفتّت وشتّت وباعد…
بعضنا يموت.. وبعضنا الآخر يرقص على جثّته.. وبعضنا اختار منزلة الثالث المرفوع كما لو كان معصوما من التفاعل والانفعال.. كجلمود صخر لم يمرّ بجواره سيل فهو خارج كلّ شيء…
ما أوقح أن يقول قائل: (( أنا أتعاطف مع الضحية رغم اختلافي معه.. ))
فيم اختلافك يا دعيّ؟
هل تجد وقتا للاختلاف أمام قتل الإنسان وسلب حريته والعبث بمنزلته وتدمير وطن بكامله باسم دولة لا معنى لها؟
كيف تزعم اختلافا مع قتيل خرج من مدارات الاختلاف كلّها وغاب في ما لا يصيبه فهمُك؟
قُتل الرئيس العراقي صدّام حسين فاهتززنا لجريمة إعدامه في يوم عيد الإضحى ولا نزال نذكر صورته شامخا مستهينا بحبل المشنقة مرتفعا بمنطوق شهادته لم ننس نبرات صوته علامة شجاعته.. ونسينا ما كان يأتيه من ظلم لمعارضيه ومن تقتيل لمخالفيه.. كان حدث إعدامه فارقا حملَنا على التعاطف معه رغم كونه لا يعدو حاكما عربيًّا كان ينازع الله على عرشه.. تعاطفنا مع الإنسان القيمة والقامة ولم نقل إنّ صدّام حسين كان عسكريا انقلابيا لا يختلف إثنان على جبروته ودكتاتوريته..
وقُتل العقيد معمّر القذافي بتلك الطريقة المتوحّشة فرثينا فيه الإنسان وتألمنا للعدالة يعبث بها العابثون ونسينا ما كان فعله الرجل أيّام الصولة والجولة وتجاوزنا صوته وهو يسأل أبناء شعبه (من أنتم؟).. وتغافلنا عن نعته لهم بالجرذان وتوعّده لهم وهم لم يرتكبوا أكثر من تظاهرهم لأجل أن يتنفّسوا…
وسنبكي كلّ قتيل عبث فيه قتلته بالإنسان فيه وما رعوا فيه حياة مقدّسة ليس لأيّ كان أن يسلبها مهما كان الجرم باديا والجرح نازفا..
وسنلعن قتلة الرئيس الشهيد محمّد مرسي قُتل خلف الجدران وذهب بملفّ شكواه إلى خالقه يقف بين يديه ويوقف الذين ظلموه فأعدموا بقتله الإنسان فينا وكذلك يفعلون…
هلّا تساءلنا، والعالم يبتعد عنّا: كيف سنتحرّر ونتحرّك ونحن بين ذابح وذبيح.. بين جلّاد وضحية.. بين ظالم ومظلوم.. وبين قاهر ومقهور.. لا يستقيم النظر لعين أحدنا إلّا متى فقأ عين نظيره كأنّ العالم على سعته لا يتّسع مشهدا لغير عينه؟
كيف سيكون لنا شأن ونحن لا نبحث عن أداة لتعريفنا إلّا بنفي المختلف حتى إذا خلونا إلى النفس انشطرنا وتحوّلنا إلى مزَقٍ؟
هل وُجد النفي في غير اللغة العربية؟
بعضنا يموت.. وبعضنا الآخر يرقص على جثّته.. وبعضنا اختار منزلة الثالث المرفوع كما لو كان معصوما من التفاعل والانفعال.. كجلمود صخر لم يمرّ بجواره سيل فهو خارج كلّ شيء…
ما أوقح أن يقول قائل: (( أنا أتعاطف مع الضحية رغم اختلافي معه.. ))
فيم اختلافك يا دعيّ؟
هل تجد وقتا للاختلاف أمام قتل الإنسان وسلب حريته والعبث بمنزلته وتدمير وطن بكامله باسم دولة لا معنى لها؟
كيف تزعم اختلافا مع قتيل خرج من مدارات الاختلاف كلّها وغاب في ما لا يصيبه فهمُك؟
قُتل الرئيس العراقي صدّام حسين فاهتززنا لجريمة إعدامه في يوم عيد الإضحى ولا نزال نذكر صورته شامخا مستهينا بحبل المشنقة مرتفعا بمنطوق شهادته لم ننس نبرات صوته علامة شجاعته.. ونسينا ما كان يأتيه من ظلم لمعارضيه ومن تقتيل لمخالفيه.. كان حدث إعدامه فارقا حملَنا على التعاطف معه رغم كونه لا يعدو حاكما عربيًّا كان ينازع الله على عرشه.. تعاطفنا مع الإنسان القيمة والقامة ولم نقل إنّ صدّام حسين كان عسكريا انقلابيا لا يختلف إثنان على جبروته ودكتاتوريته..
وقُتل العقيد معمّر القذافي بتلك الطريقة المتوحّشة فرثينا فيه الإنسان وتألمنا للعدالة يعبث بها العابثون ونسينا ما كان فعله الرجل أيّام الصولة والجولة وتجاوزنا صوته وهو يسأل أبناء شعبه (من أنتم؟).. وتغافلنا عن نعته لهم بالجرذان وتوعّده لهم وهم لم يرتكبوا أكثر من تظاهرهم لأجل أن يتنفّسوا…
وسنبكي كلّ قتيل عبث فيه قتلته بالإنسان فيه وما رعوا فيه حياة مقدّسة ليس لأيّ كان أن يسلبها مهما كان الجرم باديا والجرح نازفا..
وسنلعن قتلة الرئيس الشهيد محمّد مرسي قُتل خلف الجدران وذهب بملفّ شكواه إلى خالقه يقف بين يديه ويوقف الذين ظلموه فأعدموا بقتله الإنسان فينا وكذلك يفعلون…
هلّا تساءلنا، والعالم يبتعد عنّا: كيف سنتحرّر ونتحرّك ونحن بين ذابح وذبيح.. بين جلّاد وضحية.. بين ظالم ومظلوم.. وبين قاهر ومقهور.. لا يستقيم النظر لعين أحدنا إلّا متى فقأ عين نظيره كأنّ العالم على سعته لا يتّسع مشهدا لغير عينه؟
كيف سيكون لنا شأن ونحن لا نبحث عن أداة لتعريفنا إلّا بنفي المختلف حتى إذا خلونا إلى النفس انشطرنا وتحوّلنا إلى مزَقٍ؟
هل وُجد النفي في غير اللغة العربية؟