أمريكا.. لا تحترم إلا من يؤذيها ويؤلمها
عبد القادر عبار
1. ليس سهلا أن يتراجع المنتفش بقوته العسكرية والمتضخّم بجبروته السياسي والذي في اعتقاده واعتقاد مريديه انه لا يُسأل عما يفعل ولا يناقش فيما يقرر ولا يتراجع فيما يأمر.. ليس سهلا أن يتراجع عن قرار أصدره في وقت ٍالكل ينتظره منه بل ويحرض عليه.
فقد صُدم مراهقو الفتن العالمية، المنتظرون للتصفيق والتهليل والمباركة والتأييد والشكر لردة فعل ترومبيّة شقراء ساحقة “لا تقرا لا تكتب” كما يقال.. تقضي على المبارز الإيراني وتخنق الخصم الفارسي المشاكس… صُدموا بتراجع دينصور البيت الأبيض عن تنفيذ قرار الرد.
لقد ظهر لهم الذي لم يكن عاقلا.. انه عاقل.. وبرز لهم الذي لم يكن حليما في اعتقادهم.. انه حليم..
2. فما عوّدنا به أكابر الدول العظمى وطواويس السياسة الغربيون هو التقاط الذرائع مهما كانت هشة وغير مقنعة أو اختلاقها ان لم توجد ليصفعوا عدوهم الاستراتيجي ويظهروا أمام رعاعهم وحلفائهم أنهم هم السادة الذين لا يهانون ولا يبلعون الذلة ولا يقبلون اللطمة من أي قبضة جاءت.. وأنهم لا يسالون عما يفعلون بالآخر المستفز لهم والعاق لإرادتهم ولهذا كان العالم والمحرضون على الأذى والمؤججون للفتن ينتظرون من “ترومب” وقد جاءته الفرصة أن لا يتأخر ثانية عن الثار لكرامة “العم توم” والانتقام لطائرته الرمز والثمينة التي اصطادها الصقر الإيراني المتربص ومزقتها مخالبه الصاروخية.. ولكنه لم يفعل.. بل اخذ يختلق للخصم مبررات تبعد عنه شبهة الاتهام.. من مثل “إنها لم تكن تقصد”.. “وربما عن طريق الخطأ”.. و”ربما عسكري أحمق تصرف”.. و”الحمد لله أنها لم تكن تحمل جنودنا”.. محفوظات جديدة ما تعود العالم على سماعها من الطاووس الأشقر.
3. والحقيقة التي غابت عن غلمان وصبيان حلفاء “أبرهة” البيت الأبيض.. أن الأمريكان لا يحترمون إلا من يستطيع أن يؤذيهم، والذي يجرأ على الرد عليه بـ -لا- إذا أرادوا منه -نعم- والذي يقول لهم انه يرى غير ما يرون.. أما غثاء السياسة من العرب خاصة والمغتصبون للشرعية والمساومون على قضايا أوطانهم والخائنون لشعوبهم.. والمنهزمون نفسيا والمعقدون.. فأنهم في مهبّ ركل أقدام الأمريكان، يلعنونهم ويحتقرونهم سرا حتى وان هشّوا لهم جهرا حتى إذا استنفذوا منهم أغراضهم وقضوا وطرهم قذفوا بهم خارج دائرة الاهتمام والأمريكان خاصة الساسة منهم والعسكر والأثرياء… أوفياء لمبادئهم وأخلاقهم وصفاتهم التي من أبرزها :
- أ. الأنانية وتحقيق المصلحة الشخصية ولو على حساب حقوق الآخرين وفي عرف الأمريكي أن الاعتداء وإيذاء الأخر هو ضرورة سياسية تشعره بالتفوق والقوة.
- ب. الغطرسة: الأمريكي يشعر انه فوق بقية البشر وعلى الأخر أن يخضع له وأن يتبعه وهذا الخلق يجعل الأمريكي لا يؤمن بحل المشاكل مع الآخرين إلا بالقوة بدلا من حلها بالحسنى والدبلوماسية لانه لا يشعر بالسعادة الا عندما يجبر الآخرين على الخضوع له.
- ج. النفاق الإنساني والأخلاقي: الأمريكان يطلبون من الآخرين تطبيق حقوق الإنسان وهم قد يضحون بها اذا كانت تحول بينهم وبين تحقيق مكاسب اقتصادية كما فعل ترومب في قضية خاشقجي.. فصفقة بيع السلاح عنده أولى من تبني قضية روح بشرية حتى ولو كانت تحمل الجنسية الأميركية أزهقت بطريقة وحشية اهتز لها الضمير العالمي… كما تراهم يباركون ويدعمون المجرمين من ساسة العرب الملطخة أيديهم وكراسيهم بدماء شعوبهم ونخب أوطانهم مثلما دعمهم للسيسي..
وخلاصة القول.. الأمريكان لا يحترمون إلا من يعلمون انه قادر على إيذائهم.. ولا يؤذيهم إلا المؤمنون بشرعية قضاياهم والثابتون على مبادئهم والمصرون على اخذ حقوقهم والبارون بأوطانهم الغيورون على شعوبهم.. ولكن قليل ماهم.