ما بين الدكتورين مرسي والمرزوقي

فتحي الشوك

بكت القلوب حرقة وتألّمت لوعة وجاشت الصّدور وجعا وفاضت العيون حزنا لفراق انسان استثار ما بقي فينا من إنسان، قتل مظلوما أسيرا وراء القضبان، هي جريمة لاشكّ في ذلك ولا اختلاف لمن رصيده حافل بالإجرام، قتل السّجين وهو حرّ وراء القضبان ليحيا ويخلد في الأذهان وبقي السجّان مقيّدا ذليلا يلاحقه جرمه ما طال الزّمان.
وضع في قفص بلّوري سميك كأسد يخشون زئيره، كتلك الأقفاص الّتي يتنقّلون فيها لحضور مقابلة لكرة القدم أو في اتّصال مع شعبهم خشية ما اقترفت ايديهم، عزل في زنزانة انفرادية، منع من الزيارة ومن الغذاء والدّواء ومورست عليه كلّ الضًغوطات لاجل انتزاع اعتراف بباطل فتمسّك بالحقّ ومضى لترفع الجلسة ويؤجّل الحكم إلى يوم لا ظلم فيه حيث ليس للإنسان إلاً ما سعى والويل يومئد لقاضي الأرض من قاضي السًماء.
كان يختنق كما خاشقجي حين حشروا رأسه في الكيس، كان يلهج وهو يبوح ببعض الكلمات قبل أن يصيبه الإغماء، “لم أعد أرى أحدا، أين المحامي ؟ لم أعد أرى المحكمة”، وسمع له مناجاة له أخيرة “بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام” لينسقط مغشيّا عليه ويترك لمصيره برغم محاولة مرافقيه اشعار الحضور في المحكمة بما يحدث وراء القفص البلّوري ولم يتدخّلوا إلا بعد ثلاثين دقيقة أي بعد تيقّنهم من وفاته.
ربّما كان الدكتور مرسي محظوظا مقارنة بخاشقجي، فهو لم يقطّع إربا ولم يحرق وأكرم بالدّفن ولو كان ذلك تحت جنح الظّلام وبحضور مقتصر على ابنيه ومراسل قناة اسرائيلية نقل على المباشر بشرى تغييب أوّل رئيس عربي انتخب ديمقراطيا وسعى لاكتساب أسباب الحياة الحرّة الكريمة وكان يمثّل خطرا استرتيجيا على العدو الصهيوني والذي يراد له ان يكون واحة الحرية والتحضّر والتقدّم في صحراء الاستبداد والطّغيان والتخلّف.
بكى الأحرار الرّئيس، منعوا مراسم الدفن وصلاة الجنازة ومواكب العزاء في بلده المختطف الأسير فاقيمت له صلوات الغائب مشرقا ومغربا حتّى في سجون الاحتلال الاسرائيلي.
كم جميل ان تتضمّن قوائم الشهداء اسم رئيس، وجميل ان يكون من بين الاشدّ تأثّرا وحرقة على فقده كم من قائد ورئيس، اردوغان، مهاتير محمد، الامير تميم، السلطان قابوس وخصوصا الدكتور المرزوقي الًذي انهار على المباشر ورثاه كما يرثى العزيز. يشترك المرزوقي مع الشّهيد في نقاط عدّة، في المنطلقات والمسار والوجهة، هما نتاج ارادة شعبية ومنتوج ثورتين قامتا ضدّ الاستبداد وكانا نصيرين للقضايا العادلة بدون تردّد أو حساب، وواجها ماكينة ضخمة للفساد والإفساد.
ما يجمع الدكتور المرزوقي والشهيد مرسي الكثير، وسنذكر على سبيل المثال لا الحصر، بساطتهما وتواضعهما برغم ما يمتلكانه من درجات العلم، وحرصهما على أن يكونا الأقرب لملامح الأرض، نظافة يدهما الّتي جعلت مناوئيهم يختلقون لهم قصصا مضحكة عن كمّية سمك القاروص وفراخ البطّ، ما يجمعهم كذلك، ابناء لهم لا نعرفهم وزوجتين لم تطئا القصر، السيدة نجلاء محمد علي لم تعرف الاتحادية كما السيدة بيتريكس رهين الّتي لم تدخل قرطاج، كما كان لمرسي أخ في العدوة مسقط رأسه يعاني الفقر كما أخ للمرزوقي لم يصبه شيء من مغانم القصر.
بكينا جميعا الرّئيس وكان أولى بنا أن نبكي حالنا التّعيس، فمرسي ومثله المرزوقي كأنّهما أتيا في غير زمانهما لمن لا يستحقّهما، ليستبدلا بالرّخيص والخسيس. لا يغيّر الله ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم.

Exit mobile version