مرسي كان اختراقا جميلا لفلاح مصري لبلاط دولة
كريم المرزوقي
محمّد مرسي من الفلاحين المصريين وهو يشبههم في طيبة وعفوية بدت في التصرف والقول خاصة لما كان رئيسًا، كان يحب الكلام كثيرًا وهو الذي كان يجمع في قريته من حوله الأطفال يحدثهم عن قصص الأنبياء فورث عادة التطويل في الكلام حتى باتت عيبًا.. بعيد فوزه بالرئاسة، حينما فتح صدره أمام الجماهير في الميدان ليثبت لهم عدم ارتداءه لواقي من الرصاص لم يتصنع، وقد ظل محتفظا دائما باللكنة الفلّاحية في خطابه ما جعله محل سخرية من بعض النخبة المدينية القاهرية التي ترى ريفيا يدخل مساحتهم.
بعيدا عن إخوان وغير إخوان، محمد مرسي، الذي تبدو عليه أمارة الصلاة وصاحب اللحية الخفيفة كملايين المصريين، كان دخوله لقصر الاتحادية اختراقا من الفلاحين لما كان يُرى مخصصا لأبناء الكبار.. هذه الثنائية، التي كنا نراها هامشا وقتها في خضم العوامل المباشرة الحية أمامنا، كان صعود مرسي للرئاسة هو الفعل الكاشف عنها بوضوح.
آلة الدعاية للنظام الانقلابي عملت لاحقا من أجل ضرب صورة مرسي أمام المصريين أن تصوره كرجل لا يفهم “الايتيكيت” ولا يعي “كيف تكون الأمور في الدولة” ولذلك مثلا روجت كثيرا بأنه فلاح يحب “أكل البط” وكتب الإعلام عن هذه المسألة بشكل مثير للسخرية.. هشام الجخ الفلاح الصعيدي العرص ابن العرص أيضا في إحدى تعريصاته بعيد انقلاب 3 يوليو كان يلوم مرسي أنه كان “فلاحا غلبانا” أما السيسي فهو “ثعلب سياسة ثقيل”.
بعيدا عن تقييم التقدير السياسي، مرسي كان اختراقا جميلا لفلاح مصري لبلاط “دولة الأجهزة السيادية”.. وكان إنسانًا جديرًا بالاحترام وتاريخه السياسي خاصة حينما كان برلمانيا مقداما قبل ثورة 2011 هو تاريخ مشرف لرجل كان يدافع بشراسة عن قناعاته، كان يدافع عن حق المصريين في الحرية والكرامة.
حزين جدا لوفاة محمد مرسي.. شهيدا نزف، مظلوم قتلوه ببطء وكان يستصرخ إنسانيتهم في كل محاكمة لكن دون جدوى.. لكن قبل أن يكون لنا حساب يوم الآخرة، سيكون لنا حساب مع قتلته في هذه الدنيا طال الزمن أم قصر.. عسى أن تنتهي محنتنا في مصر قريبا قبل أن تقتلنا الهموم التي تخنقنا كل يوم.