تدوينات تونسية

كيف قتل الدّكتور مرسي ؟

فتحي الشوك

ومات الرّئيس الشّرعي محمّد مرسي، مات الحرّ الأبيّ، الطيّب الصّادق الشّجاع، مات وهو يقارع الظّالم والجلّاد، مات ليتحوّل إلى أيقونة نضال ويرتسم في مخيال الأحرار أسطورة للصّبر والثّبات، مات وهو يحاكم في قضيّة تخابر مع من يدافعون على عزّة أمّة نهشتها الضّباع، مات وهو يحاكم من حاكمه ويصدر حكما نهائيا في حقّ من ظلمه، غيبوبة أو تغييب، سكتة قلبية أو إسكات، بمنع للعلاج والدّواء أو بسمّ مدسوس هو موت بطيء مارسه عليه الجميع، اغتيال معنوي منذ سبع سنوات منذ 17 يونيو 2012 تاريخ الجولة الثّانية من أوّل انتخابات ديمقراطية حرّة نزيهة تشهدها مصر في تاريخها إلى حدود 17 يونيو 2019 لحظة تنفيذ الإعدام المبرمج، محكمة تفتقد لأيّة علاقة بالاسم وظلم تدثّر بكلّ ما في الاسم طاله كما آلاف آخرين ذنبهم أنّهم سعوا لحياة أفضل في مصر.
قتل الرّئيس الشّريف الفريد بسبق إصرار وترصّد، بالدّعاية السّوداء والكذب المفضوح والتجنّي والتّشويه من قبل آلة دولة الاستبداد العميقة ومن قبل الثّورجيين من باعوا ثورة 25 يناير بثمن بخس، قتل الدكتور مرسي من طرف مرضى العمى الإيديولوجي من لا يرون فيه سوى خطرا إسلاميا داهما وقتل كذلك من بعض الكهنوت من يختزلون في أنفسهم الإسلام الخالص، من قتل الدكتور مرسي هم من سمحوا بالانقلاب عليه صمتا، تشجيعا أو تمويلا لإجهاض أوّل تجربة ديمقراطية حقيقية يشهدها أكبر بلد عربي ومحرّك قاطرته، تجربة أخافت العربان وأرعشت الصّهاينة الجيران فتكاتف الجميع لأجل وأدها أمام أعين عالم مارس عليها ما يمارس الطّرشان والعميان.
من قتل الدكتور مرسي هم من قتلوا الأبرياء في الميادين، في مايسبيرو وبورسعيد والنّهضة وعربة الترحيلات ورابعة، لتستمرّ المجزرة باسم القانون أو خارجه، قتلا وسجنا واختفاء قسريا وتعذيبا واغتصابا وإهمالا صحّيا وإرهابا مصطنعا يستدعى حين الحاجة وتهجيرا لأهل سيناء وتفريطا في الأرض والنّيل وتفقيرا ممنهجا لشعب واخراجا مبرمجا لوطن من التّاريخ والجغرافيا.
من قتل الشّهيد بإذن الله هو طيبته وصفاؤه وإخلاصه وحسن نيّته واستقامته الّتي جعلت منه كدرّة نادرة فريدة في قمامة الخسّة والنّذالة وواقع الغدر والخيانة.
من قتل الدكتور مرسي هو صمتنا وتخاذلنا ورضاؤنا بضير لم يرضاه لنا وخيّر أن يواجهه واقفا ثابتا وكان بإمكانه الانخراط في صفقاتهم المشبوهة لينعم ببعض الفتات وقد يجد لذلك تبريرا كثيرا من فتاوي فقه الواقع.
من قتل الدكتور مرسي هي ديمقراطيتهم وحقوق إنسانهم الّتي آمن بها أكثر من واضعيها لنكتشف أنّها لا تشمله حينما يتعلّق بشخص مثله.
مات الدكتور مرسي ولن تموت الفكرة، ستبقى إلى أن تتحقّق، “لم تنته الحكاية غدا تطير العصافير”، لن يهنأ القتلة ولن يرتاح لهم بال، فالظّلم وإن اشتدّ فهو إلى زوال، تقبله الله في أعلى علّيين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. رحم الله من كان يقول: “والموت في سبيل الله اسمي أمانينا”… هكذا تحقّقت الأمنيّة… زال التعب وانتهت الرحلة وترجّل الفارس وطاب الوصول… لا حال يدوم… وعند الله تجتمع الخصوم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock