اغتيال الرئيس
نور الدين الغيلوفي
عرب الدماء…
إلى كم نحتاج من كره وبغض، ومن قهر وحقد، ومن عنف وقتل كي نستكمل أبجدية عربية حروفُها دمٌ ونقاطها دموع؟
لماذا تتقدّم أمم من حولنا وعلى يميننا ويسارنا اختارها التاريخ لتتداول على كتابة فصوله ونظلّ نحن في سكون الأموات قد تركَنا التاريخُ للجبّ ولا من سيّارة في الطريق.. ولا يعقوب ينتظر أن يُلقى عليه القميص؟
هل بات العرب أحجية لا حلّ لها بغير الغدر والغيلة والظلم… ات؟
هل يكفي أن نقول إنّ نصفنا عميل للعدوّ مكلَّف بقتل نصفنا الآخر لنرتاح إلى هوية لنا تغرق في دم القتيل ولا غراب في الجوّ يعلّم القاتل مواراة أكداس الجثث؟
ما الذي يعنيه أنّنا عرب؟ وهل بقي لنا أن نفخر بما نسجت لنا البائدة والعاربة والمستعربة والباقية ولا باقيَ منّا غير بقع الدم المسفوح على قارعة التاريخ؟
رقعة من أرض اسمها عربية داهمها الاحتلال وغزا أهلها لأنّ بها شعوبا مجهَّلة لا تفرّق بين جيوش الأعداء وجنود الأولياء.. شعوبا كانت قبائل تكفيها ناقة لتسقيَ بدمها حربا ضروسا تشتعل أربعين سنة.. ثمّ جاءتهم السياسة لتكون كل أرضهم كربلاء من فرط الكرّ ومراكمة البلاء.. وصار في كلّ بيت من بيوتهم رأس لحسينٍ يرقص على أشلائه يزيد من فرط السُّكر بالخمر وما يَسْفِك من دماء…
جاء المحتلون بالموت فبرز لهم عشّاق الموت ونازلوهم حتّى أخرجوهم من أرض عربية حبلى بكل أسباب القتل.. ورثتنا دول تواطأنا على أن نسمِّيَها وطنية اشتغلت بذبحنا بما ورثت من سكاكين المحتلين وخناجرهم.. دول قوامها جيوش تدرّبت على تجريب سلاحها في قصف رقابنا وجزّ رؤوسنا حتّى إذا هاجمها عدوّ واجهته بسين وسوف وبفعل معلَّق على حبل الإرجاء.. فرحنا أن صار لنا جيوش ومرت بحيّنا دبّابات وأفقنا على أزيز المجنزرات وأخلدنا إلى نوم عميق أفقنا منه على جنديّ من الصفوف الخلفية يحتلّ مبنى الإذاعة ليهجّي على مسامعنا بيانه الأوّل.. ويرتّل فينا “لا حرية لأعداء الحرية”.. ومن وقتها عرفنا أنّنا نحن أعداء الحرية.. ومن وقتها صار للعسكر فينا شأن جعل ألوانه من دمائنا…
ثمّ ثارت شعوب تكلّمت عربية أخرى صنعت بها حرية بلغتها أصداؤها من أغان مترجمة صارت لها غواية على الإنسان في مطلق المكان.. دخل العرب الزمن الديمقراطي.. خرجوا ينتخبون.. نشروا أحلامهم تجفّ بعد أن أودعها العسكر في السجون عشرات السنين.. وقبل أن تجفّ الأحلام وبينما الناس نيام تسلّل عساكر الليل من جديد فأعادوا انتشارهم وغمزوا لبعض النخب “هيت لك”.. فوقعت بأيديهم وتحت أرجلهم ولعقت منهم تراب الأحذية.. سحق العسكر الثورة والوطن واعتقلوا الأمل… وأقاموا محارق ما سُبقوا إليها على وقع رقصات “تسلم الأيادي” الماجنة…
اختطفوا رئيسا للدولة انتخبته الأمّة بمطلق حريتها انتخابا نزيها كما لم تفعل العرب وكما لا يراد لها أن تفعل ثانية.. أودعوه حيث لا يعلم أحد.. حجزوه عن الشمس والعيون.. قتلوه بطيئا.. نكاية في الشعب وانتقاما من جموعه الهادرة وجموحه النادر…
وما قتلوه وما صلبوه لكن شُبّه لهم… فالرموز لا تموت والمعاني لا يتلفها العدم.. والنسائم لا تغادرها الأرواح..
وللمظلوم على الظالمين دولة..
رحم الله الدكتور محمّد مرسي.. ولعن الله قتلته ومواليهم..
ولن يجد المجرم عبد الفتّاح السيسي صوتا يدعو له بالرحمة يوم “يجيف”.. لأنّه ما ترك رحمة إلّا أحرقها…