عبد القادر عبار
1. عندما احتج “فهْد بَلاّن”.. على طبيبه
كانوا يسمّونه مطرب الرجولة.. ليس لمروءته وشهامته وإنما لصوته الخشن وبنيته المَرْمريّة وأدائه المزلزل غير المائع ومن بين أغانيه التي أطربتنا وانتشينا بها ورددناها كثيرا ونحن في مراهقتنا أيام زمان أغنية “جسّ الطبيب ليَ نبضي” والتي جاء فيها :
جسّ الطبيب ليَ نبضي * فقلت له لا يا سيدي
*إن التألّم في كبدي * فاترك يدي يا سيدي ** فاترك يدي
كان وجع المطرب الفنان سببه عشق وحشي سكن كبده فبرّح بها وأرهقها فأرّقه …وما درى فهد بلاّن أننا نشكو مثله اليوم من وجع يسكن أكبادنا نحن المرابطون على خط الفقر والقابعون في خيام العوز والاحتياج في وطن لا يراعي فينا إلاًّ ولا ذمّة ..غير أن تألّمنا ليس من عشق مفرط أو هجران طال أمده أو صدّ من حبيب غليظ القلب وإنما تألّمنا سببه قسوة من يضطرّنا الوجع إلى الوقوف في محرابه ليجسّ لنا النبض ويكتب لنا وصفة علاج وكان ظننا انه بنا رحيم و معنا كريم ..ولكنه اقسم أن لا يجسّ لنا نبضا ولا يكتب لنا وصفة إلا بعد أن يأخذ ما في جيوبنا بتسعيرته الجديدة.
2. طبيب الفقراء.. والمشردين…
وتذكّرت قصّة الدكتور “Jim Withers” الذي اختار أن يمارس طب الطرقات والأرصفة وأن يخصص الكثير من وقته ليكون في خدمة المشردين في مدينته.. كان حلمه إن يحمل حقيبة أدواته ومعداته الطبية ويتفحص وجوه المشردين بحثاً عن المرضى الغير قادرين على تحمل نفقات العلاج ليعالجهم بلا مقابل. وقد نجح في تحقيق حلمه فامضي أكثر من 22 عاما يعالج ولا يسأل مقابلا ولا يطلب جزاء ولا شكورا وقد عالج خلال هذه المدة أكثر من 26 ألف مشرّد.
هذا الرجل لم يكن يطمع في كسب انتخابات تشريعية ولا رئاسية ولا علاقة له بالدين ولا يؤمن بجزاء في الآخرة ولا يعرف الله ورغم ذلك فقد أخجل الكثيرين من زملاء مهنته من المؤمنين والمسلمين الذين لا ينحنون على مريض إلا بثمن ولا يجسّون نبضا إلا بمقابل.
والعجيب في أخلاقيات هذا الرجل انه كان حريصا على أن لا يتسبب في أقل إيذاء نفسي أو شعوري لمرضاه من المشردين ولهذا قرر أن لا يذهب إليهم في لباس الطبيب الأبيض الأنيق لما فيه من اعتداء على مشاعرهم وإحراجهم نفسيا فاختار أن يذهب إليهم في لباس المشردين.
3. نذالة جزار .. يُدْعَى طبيب
وتذكرت تلك العجوز المصرية التي حملت زوجها إلى طبيب لإجراء عملية فاقسم الطبيب أن لا يمس مشرطا ولا ينحني على مريضها إلا بعد أن يقبض ثمن العملية فرهنت المسكينة ما رهنت وباعت جاموستها.. حتى وفرت المبلغ.. ولما جاءت به كان الزوج قد فارق الحياة دون علمها وتكتم الطبيب على وفاته ليقبض الثمن وبكل نذالة اجري العملية على الميت ثم اخبرها أن مريضها قد مات تحت العملية.. ولكن قد غاب عن الجزار النذل أن الرقيب هو الله لم يكن غائبا.. فنغّص عليه بقية حياته بان أصبح الميت يزوره في منامه في هيئة غاضبة وثائرة.. يوبّخه ويؤرقه ويتوعده ويهدده كل ليلة فافسد عليه بقية حياته ولم ينفعه ما قبضه من العجوز سُحْتًا.
– فهل مازال الطبيب حكيما ؟.. وبكم كيلو الحكمة يا طبيب ؟
لقد صدق مطرب الرجولة في قوله: “إن التألم في كبدي .. فاترك يدي يا سيدي”.