عن الغريبة وروني الطرابلسي وشبهة التّطبيع وأشياء أخرى..

وليد حدوق

لا أمقت شيئا مقتي لصور الغريبة إذ ترافقها صور وشعارات “التّسامح” و”التّعايش” وغير ذلك من الشّعارات السّخيفة التي تفترض أنّ تلك القرية في الغابة الفلاحيّة من جزيرة جربة يحتاج أهلها لجهد “التّعايش والتّسامح” ليهلّل لهم القادمون من دواخل بحرنا -البحر الأبيض- في الغرب الأوروبيّ…
يقول هذا ابن لعائلة أصولها مغروسة غرسا في تلك القرية بالذّات، ومدافن الأجداد والأهل و”المنزل” لا يبعد عن الغريبة إلاّ بعض الأمتار، ولقبي العائليّ ملك مشاع مع آخرين يحملونه من نفس القرية وهم يدينون باليهوديّة ونحن مسلمون.. ونحن إذن لا نشعر أننا بحاجة لإثبات “تسامحنا” ولا نفهم أن يحتفي أحدهم بذلك؟ والحقيقة أنّ الغريبة لم تكن يوما حجّا، وإنّما زيارة لضريح كشأن زيارات الأضرحة والتّبرّك في كلّ البلاد التونسيّة، وإنّما اختُرع هذا الحجّ اختراعا لإثبات التّسامح المُتكلّف. روني وهو بالمنطق التونسي “ولد حومتي” يعرف هذا جيّدا، ووالده بيريز أيضا… لن أخوض في حيثيّات محلّية، منها أن العلاقة بين يهود الحارة الصّغيرة أي الحومة المجاورة للغريبة “حومتنا” ويهود الحارة الكبيرة باردة تاريخيّا، وأنّه لم يكن من عادات يهود الحارة الكبيرة حديثي العهد بالجزيرة (موريسكيين) المواضبة على زيارة الغريبة التي يواضب عليها يهود الحارة الصغيرة الجرابة أو على وجه أدقّ أبناء الجغرافيا التونسية الليبية الجباليّة والمتوسّطيّة… أقول كلّ هذا لأنتهي إلى أنّ “اختراع حجّ الغريبة” وطابعه المتكلّف وحضوره البوليسيّ المبالغ فيه الذي يشبه الغزو لقريتنا الهادئة منذ آلاف السنين قد وتّر العلاقة وأفسد عفويّة العيش المشترك… روني يعرف هذا جيّدا ولكنّه يتوهّم عن خطأ، أنّ وضعه ومكانة عائلته وأبناء دينه أقوى بدعم الدّولة المركزيّة وموقعه كوزير ودخوله في متاهات التّسامح التي اخترعها الغرب لتعويض عقد معاداته للسامية وإجرامه في الأوروبيين اليهود…
وعلى نفس النّحو، يخطأ روني الطرابلسي وتجرم الدّولة التّونسيّة إن صحّ ما يروج عن شبهة تطبيع فاقع اللون، وإن كان معلوما بلون باهت منذ سنوات… نعم لقد غضّ بورقيبة النّظر عن إجرام لحق بالتونسيين اليهود بعد الاستقلال وبعد النّكسة وهو إجرام جنت ثماره الصهيونية… ولكنّ من هاجر ومن مُنح امتيازات يعلم أنّه بقي حيث هاجر مواطنا من درجة ثانية رغم الامتيازات المادّية. وإذن من مصلحة العيش المشترك الممتدّ لآلاف السنين أن لا يصبح تعايشا تنظّمه الدّولة.
وحتّى يستمرّ ذلك يجب أن نكون صريحين: فتح ملفّ الظّلم الذي لحق بالتونسيين اليهود في كلّ البلاد -باستثناء جربة بالمناسبة- بما في ذلك استرجاعهم لأملاكهم العقارية وغيرها مقابل عفو عامّ عمّن هاجر وقرّر التخلي عن العبث المسمّى “اسرائيل” واسترجاع حقوقه التونسيّة الكاملة. أمّا الزيارة الفولكلوريّة السنويّة فهي بيع غرر، وقد تسيء إلى ما بقي من عيش مشترك -ولا أقول تعايش- في جربة وتونس.

Exit mobile version