نور الدين الغيلوفي
الرياضة باتت في دول العالم المتقدّم وسيلة إلى التعارف بين الشعوب ومفتاحا للتقارب بين الناس في مختلف الأصقاع وأداة للتثاقف، حتّى صار طفل في قرية نائية في مدينة تونسية منسيّة يعشق نادي برشلونة الإسباني إلى حدّ التعصّب.. ولا حدّ للتعصّب.. قد تقول لي: هي أصنام تخيّم في غيبة الأفكار.. فليكن.. ولكنّ للرياضة سطوتها وللكرة سكرتها.. وقد باتت وسيلة ناجعة لمن يحسن استثمارها كما يفعل أذكياء العالم في الاقتصاد وفي السياسة وفي مختلف شؤون الحياة.. بل لقد كتبت الكرة أسماء ما كانت لتُعرَف لولا إبداعات ما صنعت أقدام لاعبيها ورفعت أعلاما لدول ما كان لها وجود في المحافل الدوليّة.. وما كان للأقدام أن تبدع شيئا دون أذونٍ من عقول…
نحن في تونس ارتفع بنا منسوب الحرية بفضل الثورة (نعم أصرّ على قول الثورة) حتى غمرنا وغرق فيه بعضنا ممّن لا يحسنون تقدير جرعات الدواء ومن الذين انغمسوا في الحرية حتّى نعتوا أنفسهم بالبشم، وكانوا من قبل أدوات استفادة بأيدي السادة لا يلفظون من قول إلّا بعد إذن… وليست تعاب الحرية يفسق فيها من لا يعرف لها قيمة إلّا بقدر ما يعاب الدواء يموت به من لا يعرف له مقدارا.. أفنلعن الدواء لأنّ مريضا تناول منه ما يتجاوز حاجته للشفاء فتعكّرت حاله أو مات؟
أقول غمرَنا منسوب الحرية حتّى ترجمناه إلى حرب الكلّ ضدّ الكلّ وخلطنا السياسة بالمعتقدات وجعلنا لنا حتّى من اللهو عصبيات نخنق بها أنفسنا ونهوي بها على ما كسبنا من حريتنا.. وأنكرنا من لا يوافقنا في الهواية…
تجري هذه الأيام عراكات هوجاء بين إخوة صاروا بفعل الكرة أعداء وأبان الكلّ عن قبح دفين وتراجعوا إلى ما قبل نشأة العقل فيهم فبتّ تسمع طبول حرب تدقّ ونذر غيوم سوداء تخيّم على عيد الفطر لأنّ فريق كرة تونسي لعب مباراة ضدّ فريق مغربي كانت نتيحتها ملتبسة ويراد إعادتها من جهات عليا دولية مسؤولة لا قبل لأحزاب السياسة ولا لاتحادات النقابة في بلادنا بها ولا إمكان لها لتحشر أنوفها فيها.. وإنك لترى المنتسبين إلى حزب سياسي واحد قد أفسدوا تعاقدهم ليتواجهوا بما اكتسبوا من معاجم السخط ولو أنّهم ظفروا بأسلحة نارية لتلاحموا بما لا يبقي حياة.. ولا يذر..
السياسة عندنا احتراب والرياضة عندنا تهارش كما لو أنّنا نعيش لحظة توحّش لا تفارقنا ونغفل عمّا يجري في البلاد المتقدّمة: يوقف الحَكم المباراة ليفطر مسلم صائم في بلاد غربية أو يحتفى بطفل دخل ملعب الكرة إثر مقابلة كبرى لأنه ابن لاعب عربيّ عُرف عنه سجوده إثر كلّ هدف يسجّله…
متى نرتقي إلى منازل البشر؟ أم ترانا نظلّ شهودا على مرحلة عقيم لكائنات تركها قانون التطوّر وغفلت عنها آثار الزمان؟