زهرة التوليب 3
منجي الفرحاني
مقهى رانبرند
وجوههنّ ترهقها في الحرّ وفي البرد حمرة على حمرتها، كأنّه الحياء الجميل الذي يصبو إليه رجل عربيّ شرقيّ مثلي.. هنّ في عيني هذه الأيّام الأرقّ في كلّ الدّنيا، أنا الذي يعاودني شوق إلى زهور التوليب بعد أن أمسكت من سذاجتي وهواني على نفسي زهرات بلادي من أشواكهنّ فأدمين خواطري جراحا لا أظنّني متجاوزها ولو بعد حين..
قالت:
– مالك تحدّق في ملامح وجهي دون عيني؟
قلت:
– أشهد ألاّ عيون إلاّ عيناها العربيّتان العسليّتان..
قالت:
– اتركني إذن حتّى تشفي..
قلت:
– دعيني أرشف من الحياء الجميل في خدّيك وأروي أناملي بخصلات شعرك الأشقر المطرّز بحبّات من الذّهب المصفّى عندما يعكسه النّور القادم من ضوء القمر.. دعيني أسكر, علّني أنسى عيونا أصابتني في مقتل..
قالت:
– وما ذنب البحر في عيني؟ عبثا تحاول الدّخول من غير الباب.. أولم تدخل عينيها من باب التّقوى وكأنّك ذلك النّاسك المتعبّد الذي لا يغادر صومعته؟
ثمّ هل سامحتها؟
ألا يكفيها أنّك فضحتها على رؤوس الأشهاد ثمّ جئت لتسكر عندي غير بعيد عن رانبرند؟
نظرت إلى رانبراند في لوحته, أحسست أنّه يستمع إلينا باهتمام فشربت رشفة من قهوتي ومن حيائها على نخبه فابتسم وأمسك ريشته ووجّه نظره بعيدا صوب القمر..
قلت:
– كانت ردّة فعلي قويّة عند الطّعنة ولكنّني بعد ذلك فوّضت أمري إلى خالقي.. أمّا اليوم فأنا قد سامحتها وأجدني متعاطفا معها.. أعرف أنّها مجرّد ضحيّة في مجتمع غابت فيه قيم الحبّ الصّادق والوفاء إلا ما رحم ربّي..
قالت:
– نعم, ولكن إلاّ ما رحم ربّك أنت.. لماذا تحدّثني وكأنّ ربّك هو ربّي؟
أنا أعرف أنّ لهذا الكون ربّ ما يسيّره ولكنّني لازلت أبحث عن عنوانه..
هل أنصفك ربّك فيها وقد عاملتها كناسك في صومعته؟
قلت:
– لست أدري وأنا على هذه الحال ولكنّني أعرف أنّه يمهل ولا يهمل..
ثمّ لو سمحت كارينا.. هل يمكن تأجيل هذا النّقاش حتّى أشفى من عينيها؟
قالت:
– أولم تقل لك ولو متأخّرا أنّ لها قلب ولكنّه ملك غيرك؟
لم أقل شيئا خوفا على عينيها وجرحي فأدركتني كارينا..
– كانت تفرحها هداياك.. كانت رسائل الحبّ شحيحة عندها ولكنّها كانت ترسلها من حين إلى حين.. كانت تأتيك خطوة ثم تخطو عشرة إلى الوراء.. كانت غامضة..
ربّما خسرتها ولكنّك ربحت نفسك.. عاشق متيّم معطاء يعرف جيّدا كيف يراوغ قطرات النّدى على الخدود الغارقة في حيائها الجميل..
أحسدها على قلبك وأغبطني على غبائها وطيشها..
قلت:
– خانت الحلم.. حلم قد أكون بنيت جلّه ولكنّها كانت هناك وشاركت في البناء..
أفضّل عدم تصديقها علنّي أحتفظ بذكرى العينين العربيّتين العسليّتين الواسعتين بل أنا لا أصدّقها.. كذّابة متاع وذني…
قالت:
– واط؟.. ?what..
– ابحثي لك عن مترجم..
غضبت فزاد محيّاها حمرة وخصلات شعرها ذهبا فاعتذرت منها بلطف وطلبت منها أن ترشف رشفة من قهوتي وتبتسم عسى كواكبي تعود إلى مداراتها ففعلت بعد قطرات غزيرة من ندى سقطت من محيّاها وأغرقت المكان..
ودّعتها وعدت إلى بيتي سابحا لا أدري إن كانت صاحبتني أو أنّني كنت وحدي..
في الأفق رأيت نادلة المقهى تسبح هي الأخرى في اتّجاه منزلها ربّما، فسبحت نحوها وسلّمت فردّت أن كيف حاليكما يا أروع زبونين عندي؟
ففرحت بعد أن تأكدّت أنّني لم أكن وحدي…