منجي الفرحاني
مقهى رانبرند
وصلتْ إلى المقهى فوجدتني في انتظارها دون قلبي، قال لي: اذهب أنت وعقلك إلى مقهاك الجديد وتلك الزّهرة المنشودة ودعني في حال سبيلي!
قالت:
– عمت مساء يا صاحب العقل الشّامت..
ثمّ ابتسمت حتّى طار عقلي الشّامت في قلبي وأردفت:
– أحسّ بجرحك أيّها المجنون.. وحده الزّمان كفيل بشفاء قلب متيّم أفاق فجأة على طعنة غدر تخترق كيانه.. أعرف أنّك جئتني بلا قلب وهذا ما أكّد لي جنونك الجميل..
عقلي مثل كلّ «الفلاسفة» من أهلي وصحبي، كان نبّهني منها لغموض نواياها ولأخذها دون عطاء يذكر..
كنت أحاول إقناعه بأنّ من يحبّ لا ينتظر مقابلا وكان يضحك حتّى يكاد يفقد نفسه ثمّ يخاطبني وهو يحلّق في أفق المقهى بعد أن فعلت به ابتسامتها ما فعلت حتّى خُيّل إليّ أنّ له قلب:
– اغرق في عيونها وانتقم.. ألا ترى أنّها أوضح وأنقى وأعلم!
– قلت:
– اللّه أعلم!
قالت:
— حطّ الرّحال، أراك سافرت.. بربّك أين كنت؟
قلت:
– المعذرة…
ثمّ تلعثمتُ، هل أقول سيّدتي؟ هل أقول عزيزتي.. عزبزتي ماذا أيّها الأبله؟ هل أقول يا أنت؟ أنا لا أعرف من تكون.. فأنقذتني:
– أنا كارينا.. وأنت منجي، أنا أعرف من تكون.. أولم أطلب منك عدم الكتابة عنّي أو رسمي؟!
هل تقبلني ممثّلة في أحد أعمالك سيّدي المخرج؟ أنا أحسن التّمثيل؟
قلت مازحا:
– هل تنوين مثلها التّمثيل عليْ؟
قالت:
– ربّما لو لم تتعلّم التّمييز بين من تتقن التّمثيل ومن تتقن الحبّ.. أنا أتقن التّحليل..
ثمّ ابتسمت من جديد فتمنّيت لو كان لي قلب..
يا ربّي، ما أجمل قطرات الحياء على زهرة التوليب الفريدة هذه، وجهها البدر وعيناها البحر وعطرها الأمل.. أين أنت أيّها القلب الشقيّ المغدور على أمره؟
أدركني علّك تشفى من طعنة صاحبة العيون العربيّة العسليّة..
كارينا قد تصمّد جراحك وترويك حبّا صادقا غير مقنّع!
قالت:
– دعه يتألّم فترة، ذلك أسلم له وأقرب للشّاء..
قلت:
– أنا مدين لها، جعلتني أبدع عندما كانت تقتلني بغموضها واليوم وقد غابت..
قالت:
– قلت لا تكتب.. أنا لا أريد أن أكون نصّا جميلا من نصوصك، يمجّدك عليه القرّاء ثمّ يغيبون وتبقى أنت غارقا في أخزانك ولا من نصير…
قلت:
– كفاك تحليلا واشربي رشفة من قهوتي قد لا تظمئين بعدها أبدا..
قالت مازحة:
– وهل فيها ماء الحياة؟
قلت:
– اشربي ويزّي من المصاطة متاعك..
قالت:
– واط؟؟؟
ثم ابتسمت وفشلت في اعادة نطق ما قلت عساها تبحث له عن معنى في غوغل الترجمة.. ثمّ شربت…
عادت النّادلة تحمل كأسا ماء، قالت بعد أن استأذنت إنّه للزهرة وحدّثتني عن الطّقس الذي سيكون جميلا حارّا في نهاية الأسبوع وعن صفقة القرن وحمار التبّيني وفريق أياكس وبنات ملك هولندا السّاحرات وجنون البقر لدى ترامب واسلام المناشير في السعوديّة ثمّ تذكّرت أنّها على عمل فاستأذنت وغادرت من جدبد..
– سيّدتي، نسيت كأس ماء الزهرة…
– أوووه، المعذرة..
ثمّ سقتها واستأذنت مرّة أخرى…
التفتت إليّ زهرة التوليب مندهشة وعاتبة..
– لم تقل لي إنّك تعرف النّادلة!
إنّها ثرثارة.. ثمّ ما علاقة قهوتنا برعاة البقر وبالحمير وبالمناشير وببنات الملوك ؟
قلت مازحا:
– هل تكرهين التحليل في السّياسة محلّلتي الجميلة؟
قالت:
– بل أكره المتطفّلين.. من قال لها إنّني أريد ماء؟!
أنا لا أريد إلاّ نارا تذيب جليدي وأنت بلا قلب..
لن أنتظرك طويلا على الرّشفة..
أجبتها:
– أولم تنصحيني بالصّبر على الزّمان حتّى أُشفى؟!
فقالت:
– كان تحليلا وببن التّحليل وما يصبو إليه القلب مسافات عشق رأيتك تقرؤها مع كلّ قطرة ندى تهيم على وجهي قبل أن ابتسم فتسقط فيمسّك على وقعها جنون جميل شدّني إليك فجئتك صاغرة مع الرّشفة..
يتبع…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.