Site icon تدوينات

غراب البين..

صالح التيزاوي

صالح التيزاوي

صالح التيزاوي

هي ليست من فصيلة العصافير النّادرة، فالعصافير إمّا أنّها تملك صوتا جميلا أو منظرا أجمل، وهي من إفكها تدّعي أنّها من فصيلة النّسور.. فمن لقيادة الغربان غير غراب البين يا “أكذب من سجاح”؟ بن علي كان شديد الدّهاء، كان عارفا بمعدنها الرّخيص، فلم يولّها مسؤوليّة في الدّولة ولم يقرّبها حتّى من أعضاء أطقمه الحكوميّة على كثرة الوجوه والأسماء التي تعاقبت طيلة فترة حكمه. كان يدري أنّها لا تجيد غير “الحشد الشّعبي” فاستغلّ إمكانياتها الصّوتيّة لتتبعه حيثما حلّ وهي تنعق”بن على ما فمّاش كيفه.. بن علي ايديه نظيفة” كما استغلّ أقلاما في المناشدة و”تطوير المناشدة”.
تحاول أن تقدّم نفسها بعد الثّورة كسياسيّة.. ومشروعها السّياسي الأوحد “بن علي ما كيفو حد”. وبمقتضى هذا الشّعار فهي ترى الثّورة غلطة تاريخيّة ومن ثمّ، فهي إن وصلت إلى الحكم مستفيدة من الحرّيّة التي لا تؤمن بها ومن الدّيمقراطيّة التي لا يستسيغها معدنها الرّخيص ولا عقلها الذي يحتاج إلى فحص، توعّدت أن تشطبها بجرّة قلم من تاريخ تونس وكأنّها لم تقع… بل ستحاكم رموزها ومقترفيها جزاء بما خلعوا وبما حرّروا وبما عرّوا من قوّادين و”سفسروا” من أنذال.. لم تكن سياسيّة في عهد المخلوع، لا من الصّفّ الأوّل ولا من الثّاني، بل كانت مجرّد “نوّاحة وردّادة” تروّج للأكاذيب وتغالط البسطاء من الأمّيين ومن كبار السّنّ وممّن جوّعهم النّظام حتّى يتبعوه. وهم أنفسهم اليوم الذين يشكّلون قاعدتها، يتبعونها حيثما حلّت، لكأنّها تريد أن تنتقم لنفسها بهم ومنهم، وتريد أن تذلّهم بوضعهم تحت أقدامها لتتسلّق تماما كما داس عليها بن علي وعلى أمثالها.. وحوّلهم إلى مطايا يركبها ثمّ يرمى بهم عندما تنتهى مهامّهم… “استخفّهم فأطاعوه”. يغلب عليها شعور بالمهانة فرغم ما أهدرت من كرامتها لترضية زعيم العصابة، فلا هي أدركت مبتغاها من السّياسة ولا هي أبقت على شيء من كرامة، يمكن أن تباهي بها بعد الثّورة. ولا شكّ أنّ ذلك يؤلمها ويغذّي فيها نزعة الإنتقام من الثّورة التي جعلتها مثالا يذكر في التّزلّف وفي خدمة الفسدة.. وتلك هي “حقيقة عملها على الميدان” الذي لم تكن تجيد غيره، ولم يكن يسمح لها بسواه على ما رأى فيها بن على من “إمكانيات” في التعبئة وقيادة جيش القوّادين، كلّما أراد الخروج في “زينته” على الشّعب. فكيف تقدّم اليوم نفسها على أنّها سياسيّة وهي لم تكن تؤدّي غير طقوس العبوديّة للمخلوع وللحجّامة؟ وأكثر ما كانت تفوز به غدوة أوعشوة في حضرة زعيم العصابة وحجّامته وصورة يلتقطها لها الإعلام وهي توزّع الأعلام وصور المخلوع.. لعلّ ذلك يلفت انتباهه إليها فيجعل لها أجرا ويجعلها من المقربين ويسند لها دورا أقلّ سفالة…
أمّا حكاية غراب البين: فتقول الأسطورة أنّ نبيّ اللّه نوحا عليه السّلام، أرسل غرابا ليستكشف اليابسة حتّى ينزل بسلام هو ومن كان معه من المؤمنين على ظهر السّفينة لمّا هدأت ثورة الأمواج وأقلعت السّماء، غير أنّ الغراب اللّعين شرد عن نبيّ اللّه وبان عنه فسمّي “غراب البين” وأصبح مثلا يضرب لكلّ من لا يأتي بخير ولا يرجى منه نفع.

Exit mobile version