الجمعة 25 يوليو 2025
منجي الفرحاني
منجي الفرحاني

زهرة التوليب

منجي الفرحاني

مقهى رانبرند
استوقفتني وردة توليب هذا الصّباح تمشي على استحياء وقد أمالتها قطرات ندى تعكسن حبّات نور الشّمس بين سحب تحجب أفق البلاد تارة وتارة أخرى تكشفه وتحدث بذلك ضوءا فريدا ميّز لوحات رنبراند وفارفير وغيرهما وهم يرسمون لوحاتهم مشاهد رائعة من طبيعة قرونها الوسطى.. إنّها الأرض المنخفضة “pays-Basّ” أيّها السّادة، دون مستوى البحر، فوق مستوى التحضّر..
قالت:
– عدتّ مخيّرا أم رحّلوك؟
قلت:
– أينعتِ..
ابتسمت فسقطت من خدّها قطرة ندى أغرقت حبّات الرّمل السّاخنة في عروقي فاهتزّت وربت..
قالت:
– مسكين أنت، خذلتك الشقيّة.. ثمّ أنا عيوني لا هي عربيّة ولا هي عسليّة، بل زرقاء افرنجيّة.. لماذا عدتّ؟ حدّثني.. هل جئت بقلب أم جسدا له خوار؟
انظر في عينيّ عندما تكلّمني..
قلت وأنا أنظر في عينيها غاضّا للبصر صوما للرّحمان وخوفا من توريطة جديدة:
– وهل تكلّمت؟!
– يجب ألاّ تحاف سيّدي.. فأنا كما ترى بلا مخالب ولست مسؤولة عن غبائك.. لا يوجد عاقل يمسك وردة بريّة من شوكها!
ثمّ ابتسمت ابتسامة ظاهرها الشّماتة وباطنها رقّة لحالي، فسقطت قطرة ندى أخرى من خدّها الآخر ببن قدمَي كادت تغرقنا فسبحنا معا إلى الضفّة الجنوبيّة من الأنهار التي تقسم هولندا إلى نصفين، فتجرّأت ودعوتها على فنجان قهوة في مقهى رانبراند..
قالت:
– ومن قال لك إنّني قد أحسن الرّقص في فناجينك؟
ثمّ إنّ العيون الزّرقاء خطيرة.. أولم تقرأ التّاريخ؟!
قلت:
– كنت أراقص حيّة تسعى، لدغتني ومضت.. لازال طعم سمّها في دمي.. ثمّ لا تحدّثينني عن التّاريخ، حدّثيني عن الإنسان..
قالت:
– أقبل دعوتك بشرط ألاّ تكتب عنّي وألاّ ترسمني وألاّ تراقصني وخاصّة، خاصّة ألاّ تحبّني.. دعنا فقط نتمتّع بالرّشفة..
فعندما تذيب حبّات رملك السّاخنة جليدي، سأعلن عليك العشق الممنوع ولن أخذلك مثلها أبدا..
قلت:
– ولكنّني رسمت!
ابتسمت للمرّة الثالثة ولكنّ قطرة النّدى هذه المرّة ظلّت عالقة في الأفق.. رأيت فيها صاحبة العيون العربيّة العسليّة تحاول أن تتحرّر من غدرها وخيانتها وجشعها ولا تقدر، فقمت مذعورا غاضبا وقذفتها كما لو أنّني كومان حتّى اصطدمت بعارضة النّسيان وتلاشت ولمّا التفتّ لم أجد وردة التوليب..
تركت لي رسالة بخطّ يدها أن موعدنا اللّيلة في المقهى!
يتبع…


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

منجي الفرحاني

جارتي لويزة

منجي الفرحاني  عندما جئت لأسكن في بيتي هذا في قلب المدينة قبل جوالي عام، لم …

منجي الفرحاني

الحرب على غزة في يومها الثمانين

منجي الفرحاني  الحرب على غزة في يومها الثمانين المصادف لنوال عند الإخوة المسيحيين وأنا أعرف …

اترك تعليق