زهير إسماعيل
تبقى انتخابات البرلمان الأوروبي متأثّٰرة بالسياقات الوطنيّة لدول الاتحاد، رغم بعدها الأوروبي المجاوز للشروط المحلية، وهو ما يفسّٰر تراجع أحزاب اليمين في هولندا وإيرلندا وتقدم أقصى اليمين القومي (التجمع الوطني، الجبهة الوطنية سابقا) في فرنسا لأوّل مرة في تاريخ الانتخابات في هذا البلد.
في ألمانيا، تراجع أحزاب التحالف اليميني الحاكم لصالح تقدم ملحوظ لليسار ممثلا في حزبي الخضر والاشتراكي.
في بريطانيا كان التصويت على قاعدة البريكست، وهو ما يفسّر تقدم حزب البريكست وتراحع الحزبين الرئيسيين: العمال والمحافظين.
بالاعتماد على المعلن من النتائج لن يعرف البرلمان الأوروبي تغيرا جذريا في تركيبته ومفوّضيّته رغم تراجع الأحزاب السائدة، وتبقى مفارقة أولى في هذه الانتخابات في تقدّم ملحوظ في نفس الوقت لأقصى اليمين ولليسار ممثلا في حزب الخضر. وأمّٰا المفارقة الثانية فتتمثل في فوز أقصى اليمين في فرنسا (وتقدمه الملحوظ في دول أوروبية أخرى) رغم مناهضته الجذريّة لفكرة الاتحاد الأوروبي وتشبثه بالهوية الوطنية (القومية).
ورغم أن السمة الأبرز في أوروبا تتمثل في صعود أقصى اليمين القومي والشعبوي، إلا أنّٰ الفرز مازال مشوشا لم يستقر، ولم يتعقلن بعد، ويبقى تنازعًا بين بنية حزبيّة تقليدية بدأت في الاضمحلال وبنية جديدة في طور التشكّٰل يُفصح عنها جزئيا تنازعٌ بين يمين قومي (فرنسا) ونزعات شعبوية (إيطاليا إسبانيا) ويمين شعبوي عنصري (إسبانيا، هولندا) ويسار جديد (إيكولوجي، وديمقراطي اجتماعي، وديمقراطيّة مباشرة).
وهذا الوضع السياسي “الانتقالي” ليس بمعزل عما تعرفه الرأسمالية مع “النزعة العولمية” من تحولات عميقة غيرت من “معادلة السوق والسياسة”. وهو ليس بمعزل أيضا عن “أزمة الانتظام السياسي” الحالي (أزمة الدولة والديمقراطية التمثيليّة).
ويبقى الاتحاد الاوروبي قوة اقتصادية وسياسية وازنة في العالم، والبرلمان الأوروبي هيكل تشريعي وتنفيذي لمصالح أوروبية واسعة، في ميزان قوى دولي لا يعترف بالكيانات الصغيرة والشتات.