حملات انتخابية مبكرة على وقع الفضائح
نور الدين العلوي
تعيش تونس مقدمات حملة انتخابية تتصف بالابتذال والكيد الرخيص، فقبل أوان الحملة الدعائية الرسمية والقانونية دشن مرشحون حملة من نوع آخر مستخدمة أساليب غير نزيهة لأنها تستهين بالناخب وتسفه أحلامه وتجره إلى الغريزي بعيدًا عن كل نقاش بناء في أفق بناء دولة على زخم ثورة.
هذه الحملة تكشف طبيعة جزء كبير من النخبة التونسية المنشغلة بالشأن العام والساعية إلى تملك السلطة بأي وسيلة للوصول إلى أهدافها، ولنا حق السؤال: هل من أجل هؤلاء ومصالحهم قامت ثورة وارتفع الشهداء؟ أين نحن من الشهادة والغيرة على الوطن والجد إلى المستقبل المشترك على قواعد من أخلاق وشيم إنسانية؟
حرب الفضائح بدأت
لم تبدأ حرب الفضائح اليوم ولكن نسقها يرتفع بين شقوق المنظومة أولًا، ولا نستعبد أن تمتد إلى غيرهم من الجماعات ذات الأخلاق، فالأمر لم يعد حكرًا على مكونات المنظومة وإن كانت تسبق غيرها في انعدام النزاهة.
أحدهم سرب شريط فيديو لرئيس كتلة نواب النداء شق الحمامات وهو يرمي الفلوس على غلام في ملهى ليلي مصري في زيارة رسمية وجد فيها النائب وقتًا ليتمتع (فليعذرنا القارئ العربي إذ سيجد عسرًا كبيرًا في تتبع حديث الشقوق الكثيرة أو شظايا حزب النداء الحاكم).
تسريب الفيديو إلى وسائل التواصل الاجتماعي قصد فضح ممارسات غير أخلاقية لنائب الشعب، والاتهامات وجهت إلى حزب تحيا تونس/الشاهد الذي يملك الوثيقة، الضحية اتهم الداخلية (أو شق منها يشتغل مع حزب الشاهد) التي ردت باللجوء إلى القضاء فانخسف النائب واعتذر وحول اتهامه إلى جهة أخرى.
البعض وجه الاتهام إلى نداء شق المنستير (ابن الرئيس) الذي يحاول تشويه المجموعة التي انشقت عليه وتريد الالتحاق بالشاهد ليخرب احتمال اللقاء لأنه اللقاء الذي سيقضى نهائيًا على ابن الرئيس في الانتخابات، ومهما كانت الجهة المسربة فقد قامت بعمل خسيس في سياق الاستباق الانتخابي فكيف كان الرد.
جاء الرد بتسريب آخر نشرته جريدة الشروق الفضائحية لنائبة من حزب الشاهد ضبطها الأمن بصدد السكر في الطريق العام (داخل سيارة) في يوم رمضاني مع رجل غير زوجها، فاستفادت من حصانتها النيابية بينما سجن رفيقها، وعاشت السوشيال ميديا الفضيحة متمتعة بتلصص لذيذ ينشر الخبر ويقول إني صائم.
هذه بدايات لحملة انتخابية انطلقت وستتضاعف لنعرف طبيعة سلوك نوابنا ونخبتنا السياسية التي تحدثنا في البرلمان عن الوطنية والإخلاص للشهداء. وللطرفة لقراء لا يعرفون تونس من الداخل، النائب الذي يلعب بالفلوس في الملهى الليلي هو رئيس كتلة محاربة الفساد في البرلمان. من يحارب ماذا؟ هذا سؤال في المثاليات.
من أين خرج علينا هؤلاء؟
إنهم من رحم تونس التي رباها بن علي، فهؤلاء صناعة دولة بن علي التي كان لها من الوقاحة ما يكفي لتخرج مفتخرة بالثورة وتقفز إلى سدة الحكم بوسائل بن علي، قاطعة الطريق على الثوار الطيبين أو الأغبياء لتحكم المرحلة الانتقالية ولتعيد إنتاج دولة بن علي بأساليبه ووسائله.
يشقينا أن نعيد استعراض أفعالها منذ الثورة حتى الآن ولكن النتيجة ماثلة للعيان. لقد زنوا بالثورة من أجل سهرة في ملهى ليلي أو كأس خمر في سيارة تتحدى نواميس مجتمع يستنكف من الفضيحة وإن لم يكن من التقاة. ليس الوطن عندهم إلا متعة حسية غريزية بعيدة عن أحلام بلد ثائر يريد الانتماء إلى العالم المتمدن بعيدًا عن فظاعات الديكتاتورية والفشل، إنهم علامة فشل المدرسة أولاً وفشل السياسة ثانيًا، فالسياسة التي لا تجدد النخب تكشف فشلاً جماعيًا شاملًا.
ورغم حملة الفضح المتبادلة الآن، فنحن لا نتوقع اختفاءهم من الساحة، فلديهم بعد وسائل العودة إلى الحكم حتف أنف المنتمين فعلًا إلى الثورة، سنتحدث كثيرًا عن تراخي قبضة الثورة يوم كان يمكنها أن تقصيهم، وتنظف الطريق إلى تجديد نخب الحكم بأشخاص جدد وبأفكار جديدة وبسلوك يترفع عن الغريزي والأناني، ولكن سنكتب أيضًا أنهم عادوا من ضعف البديل وهوانه على نفسه وتشتت قوله وفعله دون التجديد والابتكار، دون أن نمنح أحدًا مكان الضحية، فمن يهن يسهل الهوان عليه.
انتخابات على وقع الفضائح
يقيني ثابت أن هذه الفضائح على كثرتها لن تغير رأي الناخب التونسي في الأعم الأغلب، رغم حديث كثير متفائل عن تسجيل أكثر من مليون ناخب جديد بالسجل الانتخابي، يقول المتفائلون إنهم من الشباب الذي بلغ السن القانونية للانتخاب (18 سنة) بين سنتي 2014 و2019، وحتى الآن أثبت الناخب التونسي أنه متحفظ ولا يغامر بالتجديد، وهو بهذا يشبه بطريقة ما النخبة التي تقوده إذ يراها تكرر نفسها ولا تقترح.
ومن دلائل تحفظه أنه لم يرتق إلى نقد الإعلام التونسي الذي تتحكم فيه المنظومة ولا يرى تلاعبها بعقله وقراره، فالفضائح المعلنة مثلًا لم تنتج لديه ردة فعل رافضة للمنظومة ورجالاتها، ألا يجب أن يتحول الانتخاب إلى عملية تطهير سياسي لهذه الرداءة المهيمنة؟
هنا تكمن معضلة تونسية (ربما نجد ما يشبهها عربيًا) فالناخب (الشارع/ الناس/المواطن) يستعجل بدوره مغنمه، فينسى أن الوسيلة المشروعة إلى حقوقه يمكن أن تكون (أو يجب أن تكون) الأناة والصبر والمطاولة التي تنتج التغيير العميق، هل هي مثاليات نخبوية.
يمكن أن يكون جزءًا من النخبة متشبعًا بمثاليات ثورية وأخلاقية كثيرة غير منتجة لمغنم سريع، ولكن الشارع يرى ويدرك أن العجلة واللهفة أعادت (وستعيد) نواب الفضائح وحكومة الفضائح والديون وانهيار العملة ولم يعد هناك خيار سوى مراجعة الأسلوب والوسائل التي تحقق التغيير الحقيقي. من سيفعل ذلك في أجواء حملة انتخابية فضائحية؟
لا نرى فيمن يعارض حكومة الفضائح وبرلمانها من يجرؤ على تجديد الأسلوب، فكثير من أمراض المنظومة انتقلت بالعدوى إلى خصومها والقليل الواعي بما يجري وما يجب يجد نفسه أعزل من المال ومن الصبر والأمل.
نون بوست