مقهى رانبرند

منجي الفرحاني

أوّل أمس وصلتني من تونس الحبيبة الجحود رسالة على هاتفي الجوال تأكّدتّ من خلالها أنّ من ظننتها رفيقة فناجيني وأحلامي المؤجّلة بعينيها العربيّتبن العسليّتين لم تكن هي.. كانت كأغلب السيّاسيين فاسدة وحقيرة وخائنة لمن كان لشهور وطنا حنونا لم يخذلها أبدا..
لم أكن على أحسن حال ولم أشأ لهارون أن يلاحظ ذلك، استأذنته في درّاجته وعزمت زيارة صديق عزيز علّي أروّح عن النّفس ساعة وأقلب الصّفحة واللّوحة والفنجان وألعن عيونا ظاهرها العسل وباطنها من كيدهنّ..
تذكّرت حكمته وأنا على الدرّاجة هاءم الفكر، كان يقول لي: اختر المرأة الشجرة تثمر ولا تختر الوردة تذبل..
ضحكت بيني وبيني وقلت في نفسي، أظنّني أمسكت الوردة من شوكها فأدمت أنامل قلبي قبل أن أدركه وآخذه معي في حقيبة السّفر.. ثمّ تذكّرت فجأة أنّه كان ينصحني ألاّ أضع حافظة نقودي في جيب السّروال الخلفي حتّى لا تسقط..
تحسّستها ولا لهول ما اكتشفت، لم تكن في الجيب المذكور..
فيها وثائق الهويّة والعمل والبنك وقليلا ومبلغا ماليّا محترما.. يا واللهّ أحوال!
عدت أدراجي على نفس الطّريق عساني أجدها ولكن دون جدوى، غبر أنّني لم أبالي حفيقة.. لن يكون ضياع الدّنيا كلّها أشدّ عليّ من طعنة في الظّهر من امرأة عشقتها بطهر..
أفقت بالأمس على صوت هارون يدعوني إلى رحلة درّاجة إلى ضواحي مديمة بوكستل الجميلة فلم أتردّد..
تجارب السّنين جعلتني أقدر على وضع همومي وأحزاني في صندوق وأحكم غلقه ثمّ أودعه عقلي الباطنيّ وأبتسم للحياة.. وفي ابني هارون أروع حياة..
بمجرّد خروجنا، اعترضنا رجل (الصورة) هولنديّ مبتسما:
– سيّدي هل أنت السيّد فرحاني؟
قلت:
– نعم. قال:
– هل أضعت حافظة نقود؟
في تلك اللّحظة أيقنت أنّ حافظة النقود عادت بكلّ تفاصيلها..
قال:
– هل يمكنك أن تسمي لي بعض محتوياتها؟
قلت:
– فيها كذا وكذا الخ…
قال:
– أتبعاني إلى البيت، أنا لست بعيدا من هنا…
كان هذا الرّجل الطيّب يحتسي قهوته هو وزوجته في مقهى اسمه رانبرند Rembrandt، الرسّام الهولنديّ المعروف في القرون الخوالي.. لاحظ وقوع المحفظة، ثمّ رأى شابّا أسمر اللّون يتناولها ويفتحها وينظر يمنة ويسرة ويضعها في جيبه، فصاح فيه:
– ما تفعله لا يجوز.. هذه لسيت لك وليس من حقّك أن تأخذها..
لماذا لم تنادي على الرّجل وقد مرّ من أمامك عندما سقطت منه محفظة نقوده؟
ثمّ أخذها منه بعد أن قال له إنّه سيتكفّل بالبحث عن صاحبها أو تسليمها للجهات المعنيّة..
ثمّ من خلال اللّقب استطاع أن يعرف عنوان هارون وقد اعترضناه أمام المنزل..
الحمد للّه، في هذه البلاد شعب نظيف يطبّق تعاليم ديننا نحن على غير دين.. شكرته وأخذت معه صورة ثمّ انطلقت الرّحلة الهارونيّة..
سقطت امرأة من اللّوحة وعادت حافظة نقودي.. ستشكرني حتما على توفير ثمن الورد لمن لا تستحقّه وقد تقول لي هي الأخرى، ماني قتلك من لول ابعد عليها، ماهيش جديّة وتتلوعب!!!
ألف سقراط وسقراط من فصيلة «أولم أنصحك» لم يعنهم من هول الحدث إلاّ نشوة من كان على حقّ وانتصر..
ألف مبروك فلاسفتي الأعزّاء، انتصرتم وانكسرت!!!
قلت:
– هارون، نشربوا قهوة في مقهى رانبراند اللّيلة؟
– أوكي..
قلت مازحا:
– ربّما قد أجد صاحبة العيون العربية العسليّة غير المزيّفة هناك تتصفّح كتاب صور رسومات راببراند وتنتظرني…

Exit mobile version