ثقوب في جسد الربيع العربي …

علي المسعودي

سقطت مني أسنان الحليب وأنا أحلم، أنهيت تعليمي وقرأت كل كتب الثورة العربية وأنا أحلم، أصبحت عاطلا عن العمل فقرّرت أن أتبطل وأنا أحلم، تعرّت مؤخرتي ونمت على الخبز الحافي وأنا أحلم، ابيض شعري ثم سقطت أسناني ثانية وأنا أحلم بغد أفضل لبيت البغاء المسمى وطنا… وبعد أن ضاع مني كل شيء تفطن الحاكم إلى أحلامي الآثمة وقال لي بكل ازدراء : يا لهذا الهراء، أنت تحلم !.
•••
افريقيا السمراء تنبعث من الرماد مثل طائر الفينيق، بعد أن أعادت شيطان العسكر إلى قمقمه.. إلا وطننا العربي، فما زالت عساكره تتسكع في الميادين وتطلق الرصاص على كل فم لا يُقبّل الحذاء ويقول آمين. الانقلابات الافريقية اليوم هي مثل زلزال اصطناعي مركزه القاهرة ودائرته تتسع كل يوم، أما ضحاياه فبالملايين. ولأن الغرب لا يؤمن بأي فكر انقلابي فقد حاصر هذا الزلزال بكل أنواع المساعدات، وأرسل مختلف المعونات من الذخيرة البسيطة إلى الطائرات، وحرص في المقابل ألا يثير غضب الزلازل بحديث فج عن حقوق الانسان.. إذ لا إنسان يقطن هذه الصحراء العربية التي يحكمها المشير السيسي وحفتر الأمريكي وبرهان الإمارات.
•••
– كم لديك في الحساب ؟
– بعض الملايين ..
– كم لديك من كتاب ؟
– آه .. الكثير.
– هل تؤمن بالرب ؟
– أحيانا لا، وأحيانا نعم.. ولكن هذه حرية ضمير !.
– هل تؤمن بالمهدي المنتظر ؟
– نعم، هذا ما يعتقده كل البشر.
– والأعور الدجال ؟
– لا، هذه تخاريف شعوب تحتضر
– هل تحب شتم أمريكا واسرائيل ؟
– أحيانا لا، وأحيانا نعم.. هذا يتوقف على الظرف وحسابات الأمير ؟
– أيّ أمير ؟
– أقصد المؤسس وقائد الحزب الكبير
– من حليفكم في السياسة ؟
– حزب الفلول، والرئاسة
– هل تساند حفتر ؟
– بالطبع، ومعه محمد بن زايد وحزب النور، وشيوخ المدخلية من السلفيين.
– إذن أنت سلفي ؟
– لا
– هل أنت يميني ؟
– أنا يساري متطور عن فصيلة التروتسكيين..
– فأنت إذن تؤمن بالاشتراكية أو على الأقل الاقتصاد الاجتماعي ؟
– ضاحكا : هذا فكر متطرف، ألغيناه بعد مراجعاتنا الكبيرة، ولم نترك منه إلا بعض الشعارات للاحتجاج في مسيرة.
•••
كنت أسير زائغ النظر، بلا هدف.. وفجأة شدتني يد من الخلف، التفت فإذا ظلّي يحملق في وجهي ويسألني:
– هل نسيتني يا صديقي ؟ منذ الثورة لم تلتفت مرة واحدة إلى الوراء، لم تنظر يمينا أو شمالا حتى ظننت أني ما عدت ظلّك، وما عاد يقتلك التوجّس مني أو يساورك الخوف !!.
– هوّن عليك يا رفيقي، فأنا اليوم مجرّد ظل يتبعه ظلّ.. لو كنت أملك القدرة على النسيان، لنسيت خوفي من البوليس، وتوجيهات السيد الرئيس، وحقبة صانع التغيير منذ شهر نوفمبر إلى لحظة انتفاضة التهميش..
لو كنت أملك القدرة على النسيان لنسيت وجوها بلا ملامح، تكذب في منابر الإعلام بلا حياء، وتلبس لباس كل عصر حسب الاقتضاء..
لو كنت أملك القدرة على النسيان لنسيت حكامنا العرب الذين نكلوا بالكبير والصغير، وملكونا لنصف قرن كما تملك الإماء والبعير، وذبحونا وشردونا كما لم يفعل الأعداء.. وعلى جماجمنا شربوا الأنخاب ورقصوا رقصة الانتشاء..
ونسيت حروبا بلا معنى، قضت فيها أجيال وأوطان وعاش من بعدهم معشر الزعماء..
لم أنس شيئا.. وها أنت تراني أحمل كل أثقالي، وأرى حياتي الماضية تتبعني كظل ثقيل يختزن هزائمي وتوبتي وضلالي.

Exit mobile version