ثورة رهن الإعتقال ! ..
علي المسعودي
بحثت عن معنى الحرب الاستباقية فلم أجد أبلغ من شروح كِتاَب السياسة في ممالك الجهل والنخاسة من دولة محمد بن زايد إلى مملكة آل سعود !.
فهم لم يسقطوا فقط دولة عربية بحجم العراق بعد أن دفعوا تكاليف القتل والدفن لآخر بترودولار ..
ولم يشكلوا فقط تحالفا عسكريا واقتصاديا واسعا من أجل إسكات شبكة إخبارية يتيمة لا تسبح بحمدهم بالقدر الذي يرضون ..
ولم ينقضوا فقط على دولة جارة، وحاربوها حتى آخر طفل يمني بتهمة ارتكاب الفعل الثوري الفاحش في الطريق المؤدي إلى الرياض وأبو ظبي والظهران ! .
ولم يفسدوا فقط ثورة الشام بزرع أفيون المذاهب المتقاتلة في أرضها بدل بذور السنابل في سهولها وحقولها.. حتى قتل الطفلَ أخوه، وفي يوم النحر، ذبح الابنَ أبوه ..
ولم يرسلوا فقط أموالهم في كل أرض استنشقت نسيم الحرية لتشتري الأرواح والذمم ..
هاهم اليوم يعتقلون ثورة في مهدها، والتهمة اختراق مجال حيوي !.
لقد أعلنت هذه الممالك كل محيطها الجيوسياسي شريطا منزوع الثورات، وعلى الشعوب الرضى بالاستبداد أو مواجهة تهمة الارهاب باستعمال سلاح الحرية، وهي جريمة تكيفها فقط القوانين الأميرية !.
في هذا السياق فقط، تتحرّك الأحداث الجارية في السودان.. شعب يتطلع إلى الحرية، فيصطدم بمجلس عسكري يقوم بدور سفارة خليجية !.
•••
قال الحكيم جورج حبش مرة: تحرير القدس يمر عبر تحرير العواصم العربية.
وكان على حق.
لقد فشلت الثورة الفلسطينية في تجسيد هذه المقولة. ولكن عربان الخليج يجتهدون اليوم في تطبيق معناها المسكوت عنه، أي المعنى المقابل.. فتأبيد حكم المناولة، وتثبيت هذه الأنظمة الغريبة عن التاريخ مرهون بتحصين النظام العربي الرسمي من كل رياح ثورية..
للأسف هم يدركون أكثر من غيرهم معنى الأمن الشامل. ولهم خيارات جاهزة للرد على كل خطر، حتى ولو كان تظاهرة سلمية تنادي بالملكية الدستورية في مراكش أو تطوان !.
•••
منذ البداية، كانت بصمات المؤامرة الخليجية في انقلاب السودان لا تخطئها العين. فالمؤسسة العسكرية السودانية تم التفويت فيها بالكامل لصالح دويلات الخليج قبل عقد أو يزيد. وأصبح الجيش السوداني مثل شركة بلاك ووتر عربية، تقبض الأثمان بالدولار عن كل دم سوداني مسفوح في جبال عدن وعلى تخوم نجران. حتى أن عميلا سودانيا برتبة فريق *الفريق حسين طه عثمان* لم يجد حرجا في استبدال هويته والتفاوض مع بلده الأصلي باسم ابن سلمان !.
السياسة الخليجية هي بالضبط استنساخ التجربة المصرية بحذافيرها، وفرضها على شعب السودان.
وللأسف يسهل دائما انتاج الأنظمة المرتزقة أو شراؤها بالبترودولار.
فهاهي الأخبار الواردة من السودان الشقيق تحمل نبإ ارتداء الخرطوم المجلس العسكري لجلباب سعودي وعقال أميري في وضح النهار !.
لا أقول أن على قوى الحرية والتغيير تحرير الرياض وأبوظبي ، بل عليهم وضع مصدّات لرياح السموم القادمة من الربع الخالي .. الخالية من كل أمل في الحرية والتغيير .
فمتى استعبدت هذه الممالك الشعوب، وقد ولدتهم أوطانهم أحرارا ؟؟.