ليلة سفر
منجي الفرحاني
رِجْل في المستنقع والأخرى تحاول سحبها إلى غربة جديدة في أرض اللّه الواسعة..
قلب في الوطن المغصوب على أمره وعقل يبحث عن ملامحه على حافّة الجنون..
قيّد ربّي ابليسي الرّجيم في شهر الصيّام فاستبلس عليّ جهاز تلفازي, قلت أقاطعه..
أصبح يطاردني في الشّارع, في المقهي, على مائدة أمّي, في قهوتي, في عينيها العربيّتين العسليّتين.. في أعتى كوابيسي..
يتقيّأ كلّ ليلة في أفقي ثمّ يغادر إلى الحلقة القادمة..
وصل صديقي البهلول كعادته يجرّ علب الطّماطم والهريسة الخاوية.. لا لا.. ليست علبا خاوية هذه المرّة.. إنّها أجهزة تلفاز معدّلة على جميع أنواع قنوات الرّداءة.. اختلطت أصواتها فأنتجت نوعا من النّهيق ذكّرني بحمار الشّيخ الذي علّمونا أنّه يقف دائما في العقبة..
رماها كلّها بين أكياس الزّبالة ثمّ تبوّل عليها وواصل طريقة حتّى غاب في الزّحام.. سمعته يحدّث نفسه فيما يشبه الراب:
– الهربة وين والباشا من زنقة لزنقة يشطح على النوبة والمايسترو الحقيقة عندو مشاعر وميقالو ديما ماصط وولد بوه الحنبن يزقزق في مونبليزير .. رتحنا.. نتفرّجو على الحيوانات خير.. قنواتهم ما رميتهمش في الزّبلة..
ثمّ ضحك حتّى سقطت قهوة المهرّج صاحب كاميرا بيرو ميقالو في مزبلة التّاريخ هي ومقصّ المونتاج والحثالة الذّين حاول «فجعهم» برضاهم ونحن به “شالقون”..
لم أستدعي اللّيلة صاحبة العيون العربيّة العسليّة للإفطار في مطعمنا المعتاد في قلب المدينة ولا على فنجان قهوة عربيّة في مقهى العبث بعد ذلك، أقسمت بعد آخر غيمة حجبت بها عينيها عن قلبي المتيّم بحبّها ألاّ أكلّمها إلاّ من وراء البحار عساها تذوق طعم الجفاء الذي طالما كوتني بناره، فترشد..
لا يزال الذين يعرفون حكايتنا يوسوسون لي بأن أتركها وأنجو بجلدي إلاّ قليلا منهم من الذين يقدّسون الحبّ في زمان المسخ والقناطير المقنطرة من النّفاق هذا..
أتريدونني أن أتخلّى عن عينيها فتضلّ ريشتي طريقها على وجه اللّوحة التى مزجت ألوانها من حبّات نور قمر اليوم السابع عشر من رمضان وعسلهما والرّشفة الأخيرة من قهوتي العربيّة الوجلة ودقّات قلبي بين ضلوعها؟
ما لكم كيف تحكمون؟!
عرفت من النّادل بعد القهوة العربيّة الثّالثة أنّني من فرط جنوني كنت أمزج خليط الألوان وأرسم على وجهها وهي تبتسم تارة وتغضب أخرى وأنّها عندما تغمض عينيها وتحلم يختفي القمر وراء غيمة كأنّها هي من تسيّرها..
لابدّ أن أغادر الآن.. لازالت حقيبتي تنتظرني والسّفر موعده الصّبح.. « عسى أن يحدث اللّه بعد ذلك أمرا »…
“في مقهى العبث”