الأربعاء 25 يونيو 2025
سمير ساسي
سمير ساسي

فساد في بيت الحكمة

سمير ساسي

«وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا» قرآن كريم
تحضرني الآية القرآنية وأنا أتابع ما يجري في المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون المعروف اختصارا ببيت الحكمة، فأجدني إزاء مفارقة بين الاسم والفعل مجرورا إلى سرد الوقائع التي تتنافى مع الخير المنتظر من أصحاب الحكمة وهم العلماء في اختصاصاتهم المختلفة، فما الذي يجري ؟
بيت الحكمة الذي يرأسه «رئيس» برتبة وزير هو الدكتور عبد المجيد الشرفي أستاذ الحضارة في قسم العربية سابقا بكلية الآداب بمنوبة يفيض علينا «ببعض حكمته» هذه الأيام يجعلنا نتساءل هل نحن فعلا إزاء حكماء أم ازاء موظفين غنموا ما وفرته لهم حكومة تزعم أنها تحارب الفساد فغرقوا هم أنفسهم في الفساد ؟
لننظر في الوقائع ثم نفككها ونقف على دلالاتها
أولى هذه الوقائع ما تعلق بالأمر الحكومي عدد 315  لسنة 2019  المؤرخ في 21 مارس 2019 والذي يضبط التنظيم الإداري والمالي لبيت الحكمة والذي جاء في فصوله الخاصة بعضوية البيت أن أعضاءه اربعة اصناف،   ثلاثة منهم وهم -العاملون والمشاركون والشرفيون- تكون عضويتهم مدى الحياة ولا تزول إلا بالاستقالة أو الاعفاء أو الوفاة، وإذا كان هذا شأن كل الأكاديميات في العالم والتي يوصف أعضاؤها بـ “éternels”، فإن اللافت في بيت الحكمة التونسي أن هذا الخلود الأبدي هو من نصيب الرئيس الذي منحه الأمر الحكومي صلاحيات نصف إلهية هذا أول وجه خال من الحكمة تماما تضبطه حكومة تزعم أنها تحارب الفساد ويقرها عليه نخبة يفترض أنها متميزة في بلد شهد ثورة على التفرد والانفراد والاستيداد.
وقد شرع الرئيس نصف الاله -يبدو أنه يبحث عن تجديد رئاسته-، في ممارسة صلاحياته الأبدية نصف الالهية المطلقة فبدأ بإقصاء من لا يرضى عنهم ولا يكون هواهم تبعا لهواه ولا يقدمون له القرابين..
فكيف يمكننا أن نتصور جريان الأمور في اختيار أعضاء البيت ؟
يقول الفصل الثاني من الأمر المنظم لبيت الحكمة إن الاشعاع والكفاءة والتميز في مجالات العلم هي محدد اختيار العضو في أقسام المجمع المحتلفة من علوم طبيعية ورياضية وعلوم انسانية ودراسات إسلامية وآداب وفنون، كل هذه الاختصاصات المختلفة جعل فرز ملفات المرشحين لعضويتها من صلاحيات الرئيس فهو يحدد من هو الأكفأ في الرياضيات مثلا والحال أن الرئيس خريج آداب فهل بعد هذا الفساد فساد إلا أن يكون الرئيس /الوزير قد عاد بنا إلى زمن الاغريق القدامى وارتقى من وزير إلى كاتب آلهة.
وقد كان، فالرئيس نصف الاله يعتمد الزبونية في تحديد عضوية المجمع إذ عمد إلى تسريب تلاميذه الذين أشرف على أطاريحهم الجامعية وأقصى أناس أكفاء يشهد لهم الجميع حتى المختلفين معهم بالجدارة والقدرة العلمية في اختصاصهم، منهم على سبيل الذكر لا على الحصر عالم الاجتماع الدكتور عبد اللطيف الهرماسي وذلك بسبب نقده اللاذع لكتابات عبد المجيد الشرفي الرئيس نصف الاله أما  أستاذ  الحضارة الدكتور محمد بالطيب فالايديولوجيا وحدها هي التي حكمت على مطلبه بالرفض لأنه -رغم اختصاصه وكفاءته- لم يقدم القرابين لآلهة الحكمة المتربعة على المجمع ولم يكن من تلاميذه الخلّص.
في المقابل ضم الرئيس المتأله إلى عضوية المجمع ممثلا مغمورا أطرد من المركز الدولي بالحمامات السنة الفارطة على خلفية شبهات ما زالت طور التحقيق هو معز المرابط فما الذي يجمع المرابط بالشرفي ؟ وأين وجد الشرفي شروط المجمع في سيرة المرابط وقد ضمه إلى قسم الفنون مساويا إياه مع الحبيب بيدة وسمير التريكي ؟ وقد سبق لهما أن أدارا معهد الفنون الجميلة وصيتهما مرموق في مجال النقد الجمالي والتشكيلي على وجه الخصوص. في حين يظل المرابط ممثلا مغمورا لم يرأس إلا المركز الدولي بالحمامت وجُرّد منه مُقالا على خلفية شبهات فساد حسب تصريحات وزير الثقافة أمام جلسة مساءلة في البرلمان.
واعتبارا الى أن الرئيس نصف الاله يفهم في العلوم الطبيعية والرياضية فقد قرر أن يقرب فوزية الشرفي وله بها صلة عائلية والتي رفضت عضويتها في قسم العلوم لأنها ليست مؤهلة لذلك، قرر أن يقربها إليه قرابة علمية بعد قرابة العائلة فنقلها من الطبيعة إلى الانسانيات ضاربا عرض الحائط بقرار المجمع السابق رفض عضويتها وبتاريخها الصفري في مجال العلوم الانسانية ففوزية لم تنشر مقالا واحدا في الاختصاص الجديد الذي وهبها إياه نصف الاله عبد المجيد الشرفي رئيس بيت الحكمة في حكومة محاربة الفساد.
ويبدو أن هذا الرئيس المتأله لا يقبل تعقيبا على حكمه فلم يجد ما يدعم به قبول قريبته المختصة في الفيزياء ضمن قسم العلوم الانسانية إلا دعم قبول أستاذ فلسفة -حمادي جاءبالله- في قسم الآداب.
وهذه معلومات وردت مفصلة في مقال للدكتور عبد السلام الككلي على موقع اسطرلاب  الرابط .
ثمة موضوع آخر مهم وجب لفت النظر إليه يخص بيت الحكمة الذي يفترض أنه يضم علماء تونس كما أشرنا سابقا، هو موضوع اختراقه من مؤسسات بحثية أخرى أدنى منه -نظريا- في المعرفة والحكمة مثل مؤسسة مؤمنون بلاحدود التي تحضر في المجمع من خلال بعض تلاميذ الرئيس المتأله كناجية الوريمي وبسام الجمل وغيرهما.
هل يسعى رئيس بيت الحكمة إلى أن يجعل حكماءه كمثل حكيم القبائل الهندية يتحدث ولا يؤبه له أم يبغي تحويله إلى ركن خاص يأوي إليه من قدم طقوس الولاء والايدولوجيا وهل تعلو مؤسسة بيت الحكمة التي هي تونسية تابعة لرئاسة الحكومة على المحاسبة والمراقبة، ومتى ترتقي إلى أن تكون بيتا لحكمة ينتفع بها كل التونسيين.
أسئلة كثيرة ننتظر من أصحاب القرار في الحكومة وفي بيت الحكمة توضيحها وفي انتظار ذلك ندعو كل من يهمه شأن العلم والعلماء والثقافة والفكر والفن في بلادنا أن يرفع  صوته عاليا ضد هذه الممارسات التي خلنا الثورة قطعت معها.
موقع اسطرلاب

المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون ”بيت الحكمة’
عبد المجيد الشرفي
عبد المجيد الشرفي

اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

سمير ساسي

الاتحاد الأوروبي و حماية الصحفيين

سمير ساسي  حماية الصحفيين .. لقد كشف الطوفان أن لدى الاتحاد الأوروبي مأزقا حقيقيا مع …

سمير ساسي

الخطاب الأمريكي تجاه طوفان الأقصى

سمير ساسي  تتحرك حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد في اتجاه شرق المتوسط وترتفع ألة الإعلام …

اترك تعليق