Site icon تدوينات

معركة أمريكا ضد من ولصالح من ؟

أبو يعرب المرزوقي

أبو يعرب المرزوقي

أبو يعرب المرزوقي

حتى لا نخطيء في تأويل دلالة التحريك الأمريكي للقوات بالحجم الحالي ينبغي أن نخرج من المناكفات العربية العربية وخاصة تلك التي تعتبر خيارات الخليجيين إرادية ودالة على الحمق. فهي تتجاوزهم وتتجاوز إيران وحتى إسرائيل لأنها مما يقتضيه الوضع الأقليمي والعالمي. فمن يتصورأمريكا تتحرك في معركة بينها وبين إيران لنهب العرب أحمق.
فهي أولا ليست بحاجة لكل هذا من أجل حلب من هو في وضع لا يجعله ألا محلوبا. وهذا حاصل للمحلوب من الخليج أي لهم كلهم دون استثناء لئلا يسخر قوم من قوم. والتخويف بإيران لم يعد بحاجة لمزيد التدعيم لأن ثمرته حصلت إذ إن الارتماء في أحضان اسرائيل تم وصار علنيا. ومن ثم فكل تحليل مبني على هذين التعليلين سطحي وغير مناسب لفهم ما يحدث حقا وتحديد أهدافه.
كما أن تفسير تحريك قوى أمريكا الحالي بعبثية سياسة ترومب غير جدي. فـحتى لو اعتبرنا الأمر مقيسا على ما حققه مع كوريا الشمالية فهو غير مقبول لأنه في الحالة تلك اكتفى بالكلام. لكن مهزلة المهازل هي توهم البعض أنه لم يفعل ذلك إلا لأنه يريد ألا يبقى الاتفاق النووي باسم أوباما.
إذن : هل يوجد عامل موحد لما يجري يتجاوز هذا الدوافع التي أدفعها ولا أقبل بها؟ نعم يوجد عامل حقيقي وهو مخمس الأبعاد: قلبه عدو مشترك لأقطاب العالم الغربي الذي يستأنف دوره خوفا من هذا العدو المشترك. والعالم الذي يستأنف بعد سقوط السوفيات هو: أمريكا وروسيا وأوروبا ومن يخدمهم في العالم كله وخاصة ذراعاهم في إقليمنا المتوسط جغرافيا وحضاريا بين الغرب وعدوه المشترك . والذراعان هما خاصة ذراع دائمة هي إسرائيل وأخرى مؤقتة هي إيران.
فمن هو العدو المشترك لهذه القوى وما علة عداوتهم له؟ فأما العلة فهي فقدان الغرب التفوق المطلق في العالم وفشل توقعاته التي بنى عليها سياسته في القرن الماضي بعد الاستحواذ على الأمبراطوريات الأوروبية ومعها جغرافية الخلافة الإسلامية وحصر الغرب في قوتيين عظميين متنافستين هما امريكا والسوفيات. سيطر الغرب على على العالم وخاصة على دار الإسلام وقلبها بين الحربين واستكملت القوة الأمريكية والسوفياتية السيطرة على إمبراطوريات أوروبا بعد الحرب الثانية.
لكن ما حصل هو أن الشرق الأقصى-وخاصة الصين والهند ولكن حتى اليابان وكوريا الجنوبية وجنوب شرق آسيا-استعاد بسرعة قوته فأصبح إلى حد كبير قادرا على انهاء التفوق الغربي-وصار منافسا جديرا بالاعتبار في مجالات تفوق الغرب مع فضل يمتاز به فقده الغرب وهو العنفوان الديموغرافي والانتقال إلى الفعل الهجومي المؤثر حقا. وأهم علامات ذلك خمس:

  1. غزو أسواق الغرب بالإنتاج غير المكلف بسبب عدم التوازن الديموغرافي المغني عن أسواق خارجية أو يكاد بمعنى أن صناعة الشرق الاقصى يمكن أن تدور بحد معتبر دون حاجة إلى سوق خارجية بخلاف البلاد الصغيرة التي ليس لها سوق كافية لذلك.
  2. المساواة في الكفاءة العلمية والصناعية مع قلة الكلفة الانتاجية بسبب تدني كلفة العمالة ومع ثقافة مختلفة يقل فيها عامل الفردية ويغلب عليها التفاني من أجل الجماعة والتضحية اللامحدودة.
  3. التسابق في التسلح وغزوالفضاء واسرار الطبيعة بكلفة أقل وبكفاءة مناظرة لكفاءة الغرب.
  4. سياسة القضم المتدرج في استعمار العالم وهي تتقدم بسرعة مذهلة لأن ما كان من بقايا الاستعمار في افريقيا مثلا بصدد السقوط السريع بسبب الغزو الصيني الذي لا يكلفها كثيرا ويمكن شعوبها من التحرر من فرنسا مثلا.
  5. وآتي إلى العنصر الخامس وهو الأهم والمحدد لدورنا في المعركة العالمية. إنه علة هذا التحريك العجيب في أقليمنا والذي ينبغي وصله بالسماح لروسيا بالتمدد في الأقليم. فمنزلة الأقليم في الوصل بين العدو المشترك (الشرق الأقصى) والغرب (كل الغرب قديمه وحديثه) هي التي تعلل كل ما نراه: إنها المنزلة الجغرافية السياسية ومنزلة ما في ارضنا من ضرورات العملية الاقتصادية العالمية فضلا عن المنزلة الثقافية الحضارية.

لذلك فمخطيء من يتصور المعركة بين أمريكا والصين تمر عبر المحيط الهادي وحده. فلا ينبغي أن نقيس الأمر على ما حصل عندما استدارت أوروبا في بداية العصر الحديث حول الأقليم الأوسط أي أقليمنا بالاكتشافات الجغرافية لعزل قلب العالم الذي يمثله الإقليم فأخرجته تقريبا من دورة الاقتصاد العالمي. فهذا أمر بات مستحيلا: وتلك هي دلالة طريق الحرير ومنزلة الأقليم في الصراع بين قطب العالم الذي يخاف الأفول (الغرب الأقصى أي الولايات المتحدة) والقطب الصاعد (الشرق الاقصى أي الصين).
ومن هنا تصبح المسألة مضاعفة. فالشرق الأوسط هو الحاجز ضد مشروع الشرق الأقصى جغرافيا سياسيا واقتصاديا طاقيا وهو إذن يوظف في عمل عكس ما عملت أوروبا في بداية العصر الحديث. أوروبا ذهبت إلـى الشرق الأقصى بالاستدارة حول قلب دار الإسلا. والشرق الاقصى يذهب إليها بالمرور به مع ضم افريقيا وجل دار الإسلام وخاصة الخليج وافغانستان وإيران وسوريا فالابيض المتوسط.
فالشرق الأقصى وخاصة قوتاه الأعظمان لا يمكن أن يستغنيا عن الخليج العربي وعن قلب دار الإسلام. والفعل الهجومي بدأ بالفعل منه إذ إن الأقليم يجمع بين القارات الثلاث التي تتلتقي عندنا جمع جنوب شرق آسياس للقارات الثلاث التي مجالها المحيط الهادي أي الأمريكتان واستراليا. تلك هي المعركة التي تخوضها أمريكا وروسيا ومعهما أوروبا .
وتلك هي منزلة دار الإسلام في الصراع الدولي لأنها حاضرة بكثافة في المفصلين سواء في ملتقى القارات الثلاث القديمة أو في ملتقى القارات الثلاث الحديثة. لذلك فالمستهدف بهذا التحرك هو ما يلي: حماية المفصلين وخاصة قلب دار الإسلام ليس دفاعا عن حكامها بل عن ممراتها وما تحت أرضها وما فوقها لأن من يسيطر عليها يحول دون الشرق الأقصى والاستقلال الحقيقي بأسباب القوة الفعلية فيبقى خاضعا لأمريكا وروسيا المستغنيتين عما فيه لولا الحاجة إلى هذا الدور لخنق العدو المشترك.
وفي هذا الاطار تستعيد إسرائيل أهميتها الكبرى بوصفها حارس المكان وموطيء القدم الأول الذي يعتبر الصاعق في حالة بداية أي حرب كونية وهي آتية لا محالة حتى لو ظلت بأدوات سلمية لا تتجاوز الأدوات العسكرية فيها التهديد المتبادل إذ إن الغرب لا يمكن أن يسلم بسهولة قيادة العالم للشرق الأقصى الذي يمكن أن يستتبعه بعد أن يتم خطته البطيئة والذكية والتي بدأت الهجوم. وشرط ذلك المحافظة على سيطرة الغرب على دار الإسلام.
أما في ما يتلعق بإيران فينبغي أن نفهم الخطة الغربية وهي مضاعفة. فقد استعملت أولا كجرافة لأعداد ما حصل أي جعل العرب لحمق قياداتهم لا يرون مفرا من الارتماء في حضن إسرائيل أو في حضن إيران ما يجعلهم في حرب أهلية دائمة تحيي حروب الماضي الأهلي وتواصل خطة ولاورنس العرب مع كل القوميات. وهذه المهمة تمت ولم تعد بحاجة لأكثر مما تم.
ومع ذلك فالغرب لا يريد القضاء عليها ككقوة لأنهم يعلمون أنها العدو الأشد شراسة لعودة الإسلام للتاريخ. ومن ثم فهم يريدون استعادة نظام الشاه أو ما يمالثه لأن الألمان خاصة يعتبرون إيران أختا لهم بسبب العرقية العميقة في ثقاففتهم ودعوى الآرية المشتركة. لذلك فهم يستميلونها استمالة الهند بخلاف الصين. ونفس الأمر بالنسبة إلى افغانستان: يريدون المحافظة على النظام العميل فيها. ولم يعد خفيا أنهم أصبحوا يعاملون باكستان معاملة تركيا باعتبارهما خطرا عليهم في هذه الاستراتيجية ضد التي تستعد للشرق الأقصى.
وبهذا المعنى فلا نية لأمريكا محاربة إيران بل هم يريدون بالضغط إسقاط النظام واسترجاع إيران علمانية وحليفة للغرب. ولم يعد لهم أمل في تركيا رغم محاولات الانقلاب التي فشلت ومن ثم فهم أقل ميلا لاسترداد تركيا ويفضلون استكمال ما تبين أنه قد فشل بعد تعافيها وسعيها لاسترداد هويتها ودورها. وهذا سر تمكين روسيا من سوريا.
ولذلك فحتى توهم بعض الحمقى من العرب أن أمريكا يمكن أن تحميهم من ضربات إيران بعرب مثلهم هم الذين سلحوهم في حربهم الأهلية ضد ما يسمونه الإسلام السياسي فينبغي أن يفهموا أنها لن تحرك ساكنا بل سستجاهل الأمر وأقصى ما ستفعله هو ادعاء البحث عن الفاعل والباديء وتبرئية إيران إلخ… من التسويف فالهدف الغربي في إيران هو فرض انقلاب في إيران لا غير. فمثلما نظموا انقلاب الخميني لما خافوا من أن تحتل روسا إيران بسبب قوة اليسار الإيراني في آخر عهد الشاه هم الآن يريدون انقلابا عكسيا لاسترداد إيران إلى صفهم ومن ثم الاستراحة من حرب افغانستان وربما تحركات الجمهوريات الأسلامية التي كانت تابعة للسوفيات والتي فيها ما يشبه ما في تركيا.
وإذن فالحرب ليست مع الإسلام بحد ذاته بل معه لكونه في الوصلتين بين الغرب والشرق ولأن من سيطر عليه منع الثاني من السيطرة على العالم. وهم يعلمون أنه ما يزال غضا وطريا وليس له القوة الكافية للفعل التاريخي العالمي حتى وإن كانت كل أسباب القوة متوفرة ليديه بالقوة وليست بالفعل بل هي عليه في تنافس مع من يمكن أن يستتبعه قبلهم أعني الاستئناف الفعال في الشرق الأقصى وخاصة في الصين والهند أي ما يفوق من ثلث سكان المعمورة. صحيح انه توجد حرب مع الإسلام في حد ذاته لكنها مؤجلة لعلتين:
الأولى هي أن الحرب الأهلية بين أهله تمدهم بفرصة للتفرغ للعاجل وهو الشرق الاقصى والاكتفاء بالمناوشات الحالية مع بعض من ثار منه.
الثانية هي أن التفرغ للشرق الأقصى يقتضي توثيق أقدامهم في دار الإسلام بتغذية الحرب الأهلية لأن ما يخيفهم في الإسلام يخيف كل عملائهم حكاما ونخبا.
كما أن الإسلام يخيف حاليا الأقليات أو القوميات أو كلتيهما وهي التي تعتبر ما يجري فرصتها إما للانفصال وتكوين قواعد جنيسة لإسرائيل في دار الإسلام وخاصة في قلبه مشرقا ومغربا -وذلك ما قصدته بخطة لاورنس العرب التي تعم كل قوميات الأقليم حاليا وخاصة نخبها العلمانية والشيعية والمسيحية.
وهذا الجانب من المعركة مع الإسلام بحد ذاته يبدو ملحا لكن إيران وإسرائيل تكفي الغرب مؤونته. ومن ثم فاللعبة بينهما أتت أكلها جيدا بحيث إن الابقاء عليها مفيد مع الحذر من أن تصبح الجرافة -إيران-تعمل لحسابها خارج اطار الخطة التي كانت ولا تزال خطة الغرب في استعمالهم منذ الصليبيات.
والخطة “ب” موجودة عند الغرب للتعامل مع الإسلام السني المقاوم -أي الإسلام السياسي- وليس إسلام عملائه الحاكمين إذ هو مستعد إذا فشلت الخطة “أ” الحالية التي تضرب الإسلام السياسي بالحرب الأهلية التي تعوق نهضته أن يختار من قياداتهم من هم مستعدون للعب الدور الذي لعبه القوميون في ثورات ما بعد 48 بدعوى الثورة.
قد أتهم بما يتهم به من يسخر منه بعبارة “أين اذنك” لأني أترك المباشر وأبحث في اللامباشر أو ما يبدو كذلك لعبيد المباشر. وما كنت لأفعل لو لم أكن أعلم أن الفكر الغربي لا يعتمد على الارتجال والنظر القصير فضلا عن النفس القصير خاصيتي النخب العربية الحاكمة والمحيطة بهم: الترابط المحكم.
وأخيرا فينبغي أن نتخلص من الأسماء التي ليس لها من مسمياتها إلا الأصفار. فلا يمكن أن يعتبر الحامي حليفا إلا عند المحمي الذي يوهم نفسه بأنه ند لحاميه. وكل ما يقع لمن يزعمون الحلف مع أمريكا وإسرائيل أو مع روسيا وإيران ليس إلا ثمرة ظنهم غيرهم لا يرى من الأمور مثلهم إلى قرائبها وبسيطها. الأحمق يستحمق غيره قيسا على نفسه.

Exit mobile version