الثلاثاء 24 يونيو 2025
نور الدين الغيلوفي
نور الدين الغيلوفي

اللحمة الحيّة.. لماذا يخشى النقابيّون النقد ؟

نور الدين الغيلوفي

  1. هذا النصّ تكملة للمقال السابق في شأن ردّ الأمور إلى نصابها وتوضيح ما أشكل على الوالغين في أعراض من خالفهم كلّما استطاعوا إلى من فارق أهواءَهم سبيلا.. لن تكون فيه مجاملة لأحد.. والمجد للثورة وهبتنا الحرية.. ووهبتنا بفضلها ألسنة وأقلاما ليس يليق بها أن نسكت عمّا نراه صوابا.. لم يعد بوسع أيّ طرف أن يكبت أصوات الناس ويجعل من نفسه، بما يدّعيه من قوّة موهومة، بقرةً مقدّسةً لك أن تنقد الله في عليائه وليس لك أن تقول فيها رأيا لا توافقك هي عليه.
  2. القيادي النقابيّ سامي الطاهري يعالج الأمر كما لو كان صراعا مع حزب النهضة الذي يواري تسميته في تحفّظ مضحك فيقول مثلا (( جُنَ جنون حزب ما عندما قرّر الاتّحاد وضع ملاحظين ورؤساء مراكز اقتراع على ذمّة L’ ISIE يحبّوا يرتعوا فيها بعيد على أيّ رقابة..)).. كأنّ بقية الأحزاب راضية بانحراف النقابيين وحشرهم أنوفَهم في ما لا يعنيهم.. وكأنّ السيد الطاهري بات حَكَمًا على الخلق كلّهم وهو لا يملك حتّى إخفاء عداوته الفجّة لمخالفيه.. ومن فرط استبداد الكراهية به فهو يرى كلّ مخالف له نهضويا ولن تثبت له براءته ولو ألقى بين يديه عصا موسى.
  3. أنا لست خصما للاتّحاد العام التونسي الشغل حتّى ينفجرَ في وجهي أدعياء نسبته يقذفونني بما أوتوا من شتائم لا تعدو مبنى ركيكا ومعنى هجينا وعبارة فاسدة واستعارة فقيرة.. وجهلا مدقعا.. “يا الله”.. ما علينا في بذاءاتهم وقلّة تربيتهم.. لهم أن ينتسبوا ما داموا قد جعلوا من جدار الاتحاد لهم درعا وقد خجلوا من ذكر نسبهم السياسي الذي أُدافع أنا عنه سواء صرّحوا به أم تلجلجوا دونه.. لأنّني أطلب الحرية لي ولغيري ولا أرى لي معنى إلّا بمن خالفني..
  4. قلت إنّني لست خصما للاتحاد العام التونسيّ للشغل.. فأنا موظّف منخرط به منذ ثلاثين عاما على الأقلّ أدعمه شهريا من مالي القليل.. ونسبتي إليه تعدل نسبة المتّكئين على جداره والعاملين عليه والمؤَلَّفة قلوبهم بين يديه، هذا إذا لم تكن نسبتي أوضح إذ أنّني أدفع له بينما هم يأكلون ممّا أدفع أنا وغيري من الكادحين بالفكر والساعد ونحن لا نعلم شيئا عمّا تُنفَق فيه أموال انخراطاتنا في منظّمتنا.. وأنا إلى هذا عضو نقابة أساسيّة ضمن القطاع الذي أعمل به في الجهة التي أنا بها.. إذن فلا يزايدنّ أحد علينا ويَكِلْ لنا التهم ويعاملنا كما لو كنّا من سكّان المرّيخ حللنا بينهم لاجئين وقد ضاقوا بنا ذرعا وجمعوا لطردنا جمعا…
  5. أنا لست خصما لهؤلاء المهاجمين بسبب ما لهم من أفكار إيديولوجية أو مواقف سياسية.. فلهم أن يكونوا كيفما شاؤوا.. وليس يضيرني من الأمر شيء.. مساحة الحرية تسع الجميع والوطن لمختلف أبنائه وبناته.. وفي الاختلاف تنوّع وثراء وسعة.. لا مشكلة لي مع أحد من هؤلاء.. ولكنّ لي مشكلة مع كلّ أشكال الاستيلاء على المشترَكات والاستعلاء على المخالفين والغطرسة في الحكم والتحكّم في المصائر وادّعاء العصمة واحتكار الحقيقة والحديث باسم الوطن والوطنية والديمقراطية والحداثة.. أوَليسوا يقولون إن الوطن للجميع؟ ألس مخالفو هؤلاء من ضمن الجميع الذي يقصدون أم تراهم قرّروا إقصاءهم من الجميع الواسع؟
  6. الاتّحاد منظّمة مدنية وطنية عريقة.. والعراقة تقتضي أن يكون العاملون عليها من القيادات المركزية والجهوية والمحليّة أهلا لها.. يحسنون القول ويسمعون من خالفهم بعيدا عن التشاتم والتهارش والتكفير بمختلف أنواعه.. إذ لا فرق بين داعشيّ يرى نفسه وصيا على الدين يخرج منه من لم يوافقه وبين “نقابيّ” يرى نفسه وصيا على الاتّحاد ومن ورائه الوطن ينفي منه من لم يرافقه.. على هؤلاء أن يعوا أنّ الاتحاد العريق لم يعد عريقا بسببهم بعد أن اختطفوه واحتكروا سدانته واحتلّوا مقرّاته واستولوا على مقدّراته.. وهم أكثر ضررا به من غيرهم وإن تظاهروا بالدفاع عنه.. فعبد السلام جراد ليس هو فرحات حشّاد.. وإسماعيل السحباني ليس الفاضل بن عاشور.. وحسين العبّاسي ليس أحمد التليلي ولا هو الحبيب عاشور…
  7. اسمه الاتحاد العام التونسي للشغل: هو عام وليس خاصّا.. فليس هو لأحد من التونسيين دون أحد ولا لجهة إيديولوجية دون سواها.. وليس من اللائق أن تحتكره مجموعة هي من بقايا “بيت طاعة المخلوع”.. كانوا جميعهم شهودا خُرْسًا على جرائمه راضين باستبداده قابلين بتسلطه ساكتين عن سرقاته.. بل إن منهم من كان يشاركه سرقة الوطن ويرضى منه بجعالة هي أقرب إلى الفُتات..
  8. ألم يكن النظام السياسيّ النوفمبريّ يزيّف الانتخابات؟ هل يذكر أحد اعتراضا وحيدا من قيادة الاتحاد على ما كان يجري من تزييف على مدى ربع قرن من الزمان؟ لماذا لم تقرّر القيادات النقابية وقتها منع التجمعيين من “أن يرتعوا فيها بدون رقابة”.. آالآن تذكّر أبطال “بيت الطاعة النوفمبري” أنّهم أهل للدور الرقابيّ؟ ألم يكن سكوتهم على طغيان المخلوع خيانة للشعب التونسي؟ هل يحقّ لمن خان شعبه في زمن الاستبداد أن يكون رقيبا له في الزمن الديمقراطيّ؟ ألم يفسد بن علي الاقتصاد الوطني وجعل مقدّرات البلاد نهب أسرته ومقرّبيه؟ من يذكر موقفا احتجاجيا واحدا لقيادة الاتحاد على استبداد بن علي أو على فساده؟ ألم يكونوا له شركاء ولو بالصمت؟ فلماذا تستأسد قيادات الاتحاد اليوم على الحكومات والمؤسسات والشعب؟ ما الداعي إلى هذه الغطرسة العمياء؟
  9. إنّ سعي الاتحاد إلى حشر نفسه في الاستحقاقات الانتخابية القادمة لا يعدو أن يكون سعيا إلى إفساد المسار الديمقراطيّ الذي تشهده بلادنا.. ففي كل مرة تتحرك البلاد لتجاوز عقبات الطريق يتدخل الاتّحاد لتعطيل المسار كما لو أنه مكلف بمهمة إفساد الثورة واغتيال الآمال.. ولقد كان هو حصان طروادة الذي ركبته المنظومة القديمة لتعود إلى المشهد تتحكم في تفاصيله.. جعلت قيادة الاتحاد المنظمة مطية للثورة المضادّة ولا تفسير لذلك غير أنّها قيادة نسيت منزلة المنظمة وجعلت منها منظّمة وظيفيّة واستعملتها لقطع الطريق على خصومها حتى حصد الاتحاد له من الخصوم أضعاف ما جنى من أنصار في زمن تحتاج فيه البلاد توحيدا للجهود يقضي على الإرهاب ويدير عجلة التنمية ويسهل على الناس أسباب الحياة.

اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

نور الدين الغيلوفي

ليس لنا حلّ غير الالتقاء

نور الدين الغيلوفي نقطتان ألحّتا عليّ اليوم 1. لست حزينا ولا متشائما. لا أميل إلى …

نور الدين الغيلوفي

قال لي الفيلسوف عن الكتلة التاريخية

نور الدين الغيلوفي سألتُ الفيلسوف، – أما زلت تؤمن بالمشترك وتنادي بالكتلة التاريخية؟ فأجابني: – …

اترك تعليق