تدوينات تونسية

عيش تونسي !

فتحي الشوك
عويشة بنت مسعود الداهش فتاة ذات خمسة عشر ربيعا لفظتها مدرستها بعد أن قضّت فيها المدّة الأقصى الّتي يمكن قضاؤها، تلك إمكانياتها وتلك قدراتها وهو ما اقتنعت به هي وأمّها بعد عناد طويل ومكابرة، ومحاولات لتعقّب خطوات إبنة عمّها عائشة الّتي تكبرها بثلاث سنوات ومن المنتظر أن تنجح في مناظرة الباكالوريا، بل من المؤمّل أن تنتقل إلى باريس حيث يقيم عمّها لإكمال دراستها الجامعية وهو من وعد بتكفّل ذلك منذ سنين.
لم تكن عويشة تفتقر لبعض الذكاء بل يبدو أنّ لها فائضا فيه حوّلته إلى بعض الحماقات الصبيانية التي كانت دوما تبحث من خلالها عن إضحاك صديقاتها وأن تكون محور إهتمام الجمهور.
كان أمام عويشة أحد الخيارين، إمّا أن تشتغل بالحقل وتعتني ببعض “الشويهات” في انتظار أن يسرّع مكتوبها ويقوم سعدها، أو أن تنتقل إلى العاصمة لتشتغل معينة منزلية كأختها الكبرى، وقد اختارت دون طول تفكير طريق المدينة وحياتها لتحضّر نفسها وتتهيّأ لمرافقة عمّها المكتوف من خبر المدينة وأسرارها وعلم مسالكها وكيف تطرق أبوابها.
كانت سويعات قليلة لتنام عويشة في ركن منزو ببيتها الجديد في إحدى الغرف المخصّصة للخدم، مدام سعاد صاحبة المنزل هي تونسية بلدية تكاد لا تنطق بالعربية بعد أن تعوّد لسانها على الفرنسية كما تطبّعت حياتها بكلّ ما له علاقة بعاصمة “الأنوار” حتّى تخالها فرنسواز أو نيكول أو جاكلين، أعجبت سعاد بعويشة ورأت فيها خادمة ذات باع وذراع وقابلة برغم بعض ملامح تمرّدها ووحشيتها على أن تدرّب وتؤهّل، ما أقلقها بعض الشيء هي فولارتها التي تثير فيها حساسية شديدة وقد نزعتها عن رأسها منذ قدومها لتتأكّد من خلوّ شعرها من القمّل.
سعاد ناشطة نسوية وهي عانس بحكم اختيارها هكذا تقول وهي تدخّن أفخر السجائر المستوردة وتتعطّر بأرقى العطورات الباريسية ولها “قطّوس” بشري تمكّنت من اصطياده منذ أشهر وهو يلبّي لها حاجتها وزيادة ويملأ البيت مواء ودفئا.
سعاد سعيدة جدّا، أو هكذا تشعر وذاك ما تبوح به لأصدقائها وصديقاتها في المقهى أو في النادي أو عند الكوافير وهي تعتقد أنّها تعيش تونسي قلبا وقالبا وأنّ من يريد أن يعيش تونسيا فليكن مثلها أو على شاكلتها… هي تعيش تونسي بالرغم من أنّ لا علاقة لها بالتّونسي إلّا بسمسار يأتي لها بالقصّر لتشغيلهنّ.
عيش تونسي… ممكن أن تعيش كذلك حتى ولو لم تكن تونسيا أو تونسية، حتى ولو كانت متزوجة مثلا بفرنسي للنخاع ممن دعموا ماكرون ابن روتشيلد.
وليس مهمّا ذلك عند عموم التونسيين، فمعطياتهم الشخصية منتهكة طوعا أو كرها، بالتحيّل أو بموائد السحت والإستبلاه.. والمهمّ في هذه الحالة هل هو مطهّر وإلّا لا؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock