أكياس على الرّصيف
منجي الفرحاني
الطّقس مفعم بطعم الرّبيع رغم مسحة البرد الشّتويّة..
فوانيس رمضان تعكس خيوطها على الرّصيف فتفضح كلّ تفاصيله ما ظهر منها وما بطن..
المارّة يمشون على ما تبقّى مكشوفا من وجه الرّصيف فيما يشبه رقصة عبثيّة على مسرح مهجور..
أمّا ظلال المارّة على أكياس الزّبالة الّتي تغطّي الرّصيف إلاّ قليلا فيُخيّل إليك أنّها تحركّها فتراها تمشي وراء أصحابها..
بين قطعة رصيف لا نور في قسماتها وكوم زبالة منتفخ النّتانة رنّ فيما يشبه النّهيق هاتف الإعلاميّ الهمام صاحب الصولات والجولات والڨعدات فسقط منّي الحلم في القهوة فأفسد نكهتها وعكّر مزاج الشّمس:
أيّ نهظة وأي تيّار؟ نهضة نطقها تشال لغباء في سريرته..
“ألو… أيّ ائتلاف وأيّ كرامة؟!
أيّ مرزوقي وأيّ إرادة؟!
وشكونو هذا ياسين؟!
قالوّ جبهة! قالها بفتح الجيم..
موش وقتو… ماذا يريد هؤلاء؟ من أنتم؟!
البلاد لا تحتمل، أنا لا أحتمل… تي حتّى مرتي لا تحتمل…
النّمط متاعنا والدّولة الوطنيّة البورقيبيّة الحديثة المعاصرة التقدّميّة الفرنكوصبايحيّة لا نحتمل…
«تو نورّيكم الحريّة..»
ثمّ صرخ حتّى بان ما في كيس زبالته الّتي يسمّيها النّاس زورا وبهتانا فما فصفعه خيط نور من الشّمس على نظّارتيه فسقط في كوم الزّبالة، تقيّأ ما تبقّى له من عهر ثمّ احتضن قبّعته القذرة ونام…
أمّا أنا فرأيت فيما يشبه المنام أكياس الزّبالة تغادر أرصفتنا طوعا أو كرها إلى حتفها فيتنفّس فينا الوطن..
أفقت على صوت صاحبة العيون العربيّة العسليّة وهي تطلب منّي أن أضع القمر في فنجانها وأذيب حبّات نوره في عينيها ثمّ أرشف رشفة لا أظمأ بعدها أبدا، ففعلت.. وما أروع ما فعلت.. الوطن في عينيها أطهر وأنقى وأكثر أناقة…
من «في مقهى العبث»