الخميس 26 يونيو 2025
بشير بوسودة
بشير بوسودة

الإستثمار في البؤس

بشير بوسودة

أقصر الطرق للسلطة، استمالة نفوس المساكين ممن أعيتهم الخبزة وانصرفوا عن السياسة والشأن العام للجري وراءها، فهم منهكون، منهمكون دائما في تفاصيل عيشهم البسيط، لا مجال في حياتهم للتمهل واستيعاب ما تصنع السياسة، منشغلون عنها بأوجاعهم.

حملات انتخابية تدار بعقلية الزوايا والولائم، ودعاية حزبية وضعت أسعار الخضر والغلال استراتيجية لها. هكذا صار قوت الناس وضروريات عيشهم الخطاب المحبب لكبار الزعماء، يستميلون به خزانا انتخابيا عريضا خلفته عقود من التفقير والتجويع والتجهيل. كسب ود البطون الخاوية والنفوس الحائرة، هو الرهان الانتخابي الأضمن، فأعدادهم في تعاظم وأصواتهم يمكن توظيفها، وأحياؤهم وقراهم قد تخرج منها صناديق اقتراع مكتنزة، كما انهم غير محسوبين على أي طرف، فمشاكلهم كثيرة ومعاناتهم عميقة ولا يرغب أي حزب في الالتزام بها والنضال لتخليصهم منها.

وليست محاولات تطويعهم بدعة فالجميع قد حاول استعمالهم على حسب هواه، لقد تم تحييدهم منذ البدايات الأولى للدولة وتركوا ليصارعوا قهر الحياة وحدهم بعد أن خذلهم الجميع، إلا الإحصائيات التي مازالت تعدد أعمارهم وفئاتهم وتعلم تفاصيل كثيرة عنهم. هم لا يصدون أحدا ولا يملكون إيديولوجيات عظيمة ولا انتماء لهم لغير معاناتهم. ولهذا يصر المفلسون سياسيا وأخلاقيا ومعدومي الكفاءة من السياسيين التونسيين على مواصلة نهج أسلافهم والاستثمار مجددا في بؤسهم، فيجتمع البؤسان في مشهد بشع.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق