الاتّحاد العام التونسيّ للشغل والميعاد الانتخابيّ
نور الدين الغيلوفي
يبدو أنّ الاتّحاد بات من فرط العطالة يبحث له عن كلّ سوق ليعرض فيه سلعته.. سلعة اللاشيء…
أعطوني فائدة واحدة صنعتها قيادة الاتّحاد من عند قيام الثورة إلى الآن.. أكثر منضغط لا محدود، على الحكومات المتتالية، لرفع الأجور.. وقطع للطريق باسم النضال النقابي يقابله اشتعال للأسعار حتّى بات الموظّف التونسيّ عاجزا عن قوت يومه يوشك أن يتحوّل إلى صفوف المتسوّلين.. ولكن مَن يتسوّل ممّن؟
في لحظة ما ساهمت قيادة الاتّحاد في توتير المناخ السياسيّ بالبلاد ثمّ انتصبوا حُكّاما، وقد نسوا انّهم بالأمس القريب وقفوا في وجه الحكومة التي فكّرت في منع كبيرهم السيد عبد السلام جراد المشتبه به في قضايا فساد وهدّدوها بالويل والثبور وبعظائم الأمور.. ساهموا في توتير الأجواء ثم جاؤوا ليحكموا بين الفرقاء حتّى نالوا، مع شركائهم، جائزة نوبل للسلام (؟)
الاتّحاد بات شبيها بإلاه يبسط سلطانه على كلّ شيء ويحشر أنفه في كلّ مجال.. قياداته يفهمون في كلّ شيء.. في الدنيا وفي الماوراء.. يفهمون في العمل ( ! ) وفي تعطيل العمل.. يفهمون في الاقتصاد وفي تعكير الاقتصاد.. وفي البورصا وحيلها وألاعيبها.. وفي الثقافة والتعليم والتجارة والقانون والحرب والسلام.. والسياسة والديبلوماسية والاستراتيجيا.. والوحدة العربية والصهيونية العالمية والإمبرياليات بمختلِف أنواعها وكيفية التصدّي لها وإيقافها عند حدّها.. يجوبون البلاد طولا وعرضا يقولون ما يريدون ويفعلون ما يشتهون.. كأنهم أبناء آلهة وكأنّ غيرهم أحفاد قرود…
يفهمون التربية أكثر من أهل التربية.. ويعرفون الثقافة كما لا يعرفها المثقَّفون.. ويدركون أسرار السياحة كما لم ينتبه إليها أحد من المختصّين.. ولا تخفى عليهم خافية من أفانين السباحة حتّى كأنّهم حيتان جُعل لها البحر مرتعا…
منذ مدّة لوّحوا بأنهم معنيون بالانتخابات لإصلاح ما أفسده السياسيون.. ثمّ بدا لهم فيها “استينفوا”.. وقد أدركوا أنّهم بخوض غمارها ينتحرون.. ولمّا باتوا عاطلين عن كلّ فعل فقد بحثوا لهم عن مدخل إلى الانتخابات وها هم يطلبون أن تكون لهم الرقابة عليها وقد أعدّوا عدّتهم لها.. بارعون هم في الانتخابات والحسابات والمؤتمرات والمؤامرات.. والمكائد و”التكنبينات”..
لا يريدون أن يفلت منهم شيء.. كأنّ اللحظة هي فرصتهم، لا ليخوضوا مع الخائضين، فذلك لا يقنعهم، ولكن ليحتكروا كلّ الخوض في كلّ شيء.. كأنّ البلاد جُعلت لهم ميراثا دون سواهم، وقد عزموا على حرمان الجميع منها.. أو كأنّ الدولة بجميع مرافقها وبمختلف مؤسّساتها باتت عاجزة بنفسها مستطيعة بهم دون سواهم.. فلا شيء له طعم ما لم تتدخّل فيه قيادة الاتّحاد وتُدْلِ فيه بدلوها.. وما أكثر دلاء هؤلاء…
الحقيقة أنّ اللجنة المستقلة للانتخابات جاءت بمقضى الدستور وخرجت من مجلس نوّاب الشعب الذين انتخبهم الشعب.. وعليها وحدها المعوَّل في إدارة الشأن الانتخابيّ.. ولذلك تقدّم عناصرها إليه وتصدّوا له وهم يعلمون أنّهم قادرون عليه.. ولا أظنّها تحتاح إسنادا من أحد.. وإلّا كانت مقصّرة في أداء دورها.. ومن يرى في نفسه تقصيرا لا ينبغي عليه أن يتصدّى لما لا يستطيع.. وكلّ تدخّل في شأنها من أيّ طرف هو إفساد لاستقلاليتها وخصم من مصداقيتها…
أمّا قيادة الاتّحاد فقد جاءت من وراء حسابات و”تكنبينات” و محاصصات بين أطراف معلومة تحتكر العمل النقابيّ لا تكاد تخرج عن الوطد بجميع عشائره وحزب العمّال بكلّ نتاقضاته والقوميين بمختلف عناوينهم والعاشوريين الذين لا لون لهم… هؤلاء اتّخذوا من الاتّحاد عاصمهم وعاصمتهم وجعلوا منه درعهم الذي يخوضون به معاركهم.. ولا أظّن هوياتهم النقابية ستخفي هوياتهم السياسية.. ولنا أن نذكر قيادات مكتب الاتّحاد العام التونسي للشغل التنفيذي بالاسم وبالنسبة السياسية.. وهؤلاء يعلمون أن الاتّحاد لا يمكن أن يعمل السياسة لنفسه.. إنّما هو واجهة تقبع خلفها أحزاب وجماعات أعجزتها السياسة بأدواتها فتسللت إليها من وراء ستار منظّمة مدنية وطنية الأصلُ فيها أن تكون محايدة شأنَ المساجد ومختلف المرافق العمومية التي عليها أن تقف على المسافة نفسها من الفرقاء السياسيين…
حذار أن يتدخّل الاتحاد في الانتخابات، بأيّ شكل من الأشكال، لأنّه بتدخّله سيفسدها وفي إفسادها عبث بالمسار بأسره…
الناس لم ينسوا، بعدُ، حلول سفير فرنسا بمبنى الاتّحاد بعد مشاتمة السيد نور الدين الطبوبي إياه ( ! )
الريبة في ازدياد مادام السفير في الأنحاء