المجلس العسكري في السودان يماطل
زهير إسماعيل
المجلس العسكري في السودان ينجح في تنصيب نفسه مرجعية بديلة عن مرجعية الحراك الشعبي مستغلا ما يعرفه الحراك من مشكل التمثيل السياسي والقدرة على فرض المطالب.
المجلس العسكري في السودان يمارس السفسطة. ويكثر من الحديث السياسي والسجال الفارغ محاولا تثبيت وضعه المهزوز وهو يعرف أنّٰه لا شرعية له إلا شرعية القوة. ولو كان بإمكانه أن يصرّفها لفعل. فالعسكر في نظام الاستبداد العربي لا يختارون السلمية وانما يُجبرون عليها.
منهجية المجلس العسكري في السودان : طوّٰل الخيط تضيع الإبرة. وهو يعرف الجهة الرئيسية المقابلة له وهي قوى إعلان الحرية والتغيير. وغير المفهوم في أداء هذه القوة ذات التمثيليّة الوازنة أمران:
- تسليمها بمرجعية المجلس العسكري وذلك من خلال تقدّمها بمقترحات طلبها المجلس العسكري نفسه، وله أن ينظر فيها، وفي انتظار ردّه في كل مرة أكثر من رسالة سياسية، وهو لا يتورع عن تعديل أو رفض ما يقدم له، ومنه رفض أن يكون تمثيل المجلس العسكري في المجلس السيادي ( 3 عسكريين و 7 مدنيين)، ويقترح العكس، رافضا الخضوع للمجلس السيادي.
- اقتراحها أربع سنوات مدة انتقالية، وهو مقترح غير مفهوم، فالمجلس العسكري نفسه في بيانه رقم واحد من خلال اللجنة الأمنية وضع سنتين للانتقال. وأنّى لقوى إعلان الحرية والتغيير أن تقبل باستلام السلطة دون تفويض شعبي، ولو كان بدواعي الانتقال؟
حين يخرج الشعب كل الشعب إلى الميادين من المهم تثبيت الحراك الشعبي مرجعية وحيدة، رغم تعقيدات الوضع في السودان، ويكون دور القوى السياسية الممثلة له التعبير عن مطالبه وتفصيلها في خطة مرحلية لنقل السلطة من خلال الاختيار الشعبي الحر وما يتطلبه من مؤسسات ديمقراطية مستقلة وممثلة.
المجلس العسكري يماطل ولا يريد الخوض في موضوع الشرعية وهو عار منها، ويحاول تغطيتها بتبني خطاب الثورة واعتبار نفسه شريكا فيها، ولعن النظام القديم، وإثارة ملفات لا معنى لقدحها الان قبل نقل السلطة والشروع في التأسيس الجديد (موضوع شهداء الثورة، وملفات الفساد…).
ومن ناحية أخرى، يلعب المجلس على الاختلاف في مسألة التمثيل الشعبي، وما تعرفه من تعقيد في السياق السوداني، وغياب خطة مرحلية موحدة لنقل السلطة تمثّٰل الحراك الشعبي. ويراهن على الدعم الخارجي ولا سيما الإسناد المالي السعودي الإماراتي (وديعة بـ3 مليار دولار) والسياسي المصري، ويشار إلى أن أحد أعضاء المجلس العسكري يشارك في المفاوضات مع قوى إعلان الحرية والتغيير من الإمارات.
لا ثقة بالعسكر بإطلاق، والسياق السوداني أبعث على الريبة، ويتضاعف الشك مع الهوة التي بدأت تظهر بين الحراك الشعبي وتمثيليته (بداية تغييب القوى الشبابيية).
لا معنى للمماطلة إلاّ الرغبة في كسب الوقت، والمراهنة على فتور الحراك الشعبي وتعقّد موضوع التمثيليّة، والأمل في توفر شروط الانصياع للأمر الواقع.
لو ثبّت الحراك الشعبي نفسه مرجعيةً بالانفتاح على الجميع وبادر بإعلان مراحل نقل السلطة وآليات وتوسيع قاعدة التمثيل السياسي لضاقت المناورة على الجيش مثلما ضاقت على نظيره في الجزائر رغم ما بين المؤسستين والسياقين من اختلافات مهمة.