نصر الدين السويلمي
وحدها الشواهد والدلالات والمقارنات تنضّب التشويش وتعطي للعقل فرصة الوصول السلس إلى الحقيقة إن هو طلبها بصدق، هذا ما نحتاجه اليوم في تونس مع حدة الهجمة وكثرة التشويش واستفحال العبث بالحقائق وقلبها وتطويعها، نحتاج إلى تجميع تفاصيل المشهد بروية، ومن ثم الحكم له أو عليه باستعمال نعمة العقل وليس باستعمال نقمة بوغلاب ولا لعماري ولا البلومي ولا القصوري، فكلها من المسكرات المعطلة للعقل، المبطلة للتكليف، الرافعة للقلم.
من هي القوة الأقرب للثورة في تونس والأقدر على حمايتها؟ بالتأكيد حين يطرح السؤال بهكذا تعميم وبدون ملاحق، سيكثر اللغط ويطغى الهرج على الجواب أو على الصواب، لذلك يجب طرح هذا السؤال بعد سلسلة من المعطيات التي تقرّب الإجابة وتسهّل على العقل إنتخاب الصواب وإقراره، رغم أنف القوى الغازية للحقيقة التي تستعمل البروباغندا لاجتياح العقول وتطويعها تمهيدا لاستعبادها، وإن أردنا طلب الحق، فليس أسهل منه، وليس المهم أن نقف مع الحق فتلك مسألة أخرى مفصولة عن هذا السياق، المهم أن نرتقي بعقولنا إلى ما فوق البروباغندا، أن نغادر دائرة الجهل ونقتحم دائرة المعرفة، أن نقف على الحقيقة كما هي، ونقولها كما خلقتها الفطرة، وحين ننجح في ذلك، نبتسم ثم نتمتم بسرور بالغ، لقد انتصرنا نحن الإنسان على الببغاء بداخلنا، ها نحن لا نردد صدى إعلام العار، ها نحن نردد صدى عقولنا.
تعالوا نستدعي على موائد العقل ثلاثية الثورة المضادة في الداخل والخارج، محمد بن زايد، خليفة حفتر، عبير موسى، ونراقب وجهة حقدها ووجهة مالها، على من تشهر السلاح وعلى من تنثر ودها، لنبدأ بعبير موسى وحزبها كأبشع تمثيليات الثورة المضادة في الداخل، وذلك بشهادة كل التونسيين، منذ نشيد الذل “بن علي ما كيفو حد” إلى اليوم الذي لعنت فيه الثورة ومدن الثورة وتوعدت من تسبب في إشعال فتيل الثورة، لنقف مع هذه اللافتة الفاقعة للثورة المضادة، ونرى سهامها ونراقب عدوها الأول، ونتابع طوفان حقدها من انطلاقه الى مصبه، من هي القوة السياسية التي تهاجمها عبير لتنمي رصيدها، من هي القوة التي تحتل 90% من برنامج الحزب التجمعي المتطرف؟!
ثم لنقف مع صاحب حقوق الثورات المضادة في المنطقة ككل، ولا نعتقد أن في العالم العربي اليوم من ينكر حيازة أولاد زايد على جميع الحقوق الخاصة بالثورة المضادة وتوزيع نياباتها على من يرغبون وفق أجندتهم، إذا ولما اتفقنا على أن غلمان زايد هم أعداء الثورات العربية، علينا أن نتابع سهامهم ونقتفي أثر مؤامراتهم، لنتعرف عن القوة التي يستهدفونها في تونس، ولو راقبنا تصريحاتهم منذ أعلنوا الحرب على إرادة الشعوب، لوجدناهم قد وجهوا جميع نشاطاتهم العدائية تجاه قوة سياسية واحدة في بلادنا.
الأمر نفسه ينسحب على حفتر وقياداته وميليشياته، التي واذا ما ورد اسم تونس على السنتهم، تقرن إليها قوة سياسية يعتبرونها العدو الأول لهم، ويسعون إلى تركيعها وترهيبها لعلها تدخل زريبة غراب طبرق المشؤوم.
ها نحن لا نعتمد التسمية، ولا التوجيه وتركنا العقل يستنتج بمفرده، لا نرغب في نصرة هذا أو ذاك، تلك مسألة أخرى لها غير هذه المقامات، بل نرغب في الارتقاء بالإنسان من مواخير البروباغندا إلى حدائق العقل الغناء.. وحدك تنقذ تونس قبل أن تغرق في العار، وحدك ترسم خارطة الحق بعقلك، تلتقط الأحداث ساخنة وتطرحها على غربال المنطق ينخلها نخلا، يخرج سقيمها من سليمها، لا تظل يومك تائها تترقب المساء، ليطل عليك كرونيكور، يفتح رأسك ويبصق على مخك، أو تخرج عليك كرونيكورة، تجتث بعض سيليكونها من أماكن حساسة وتحشو بها الرأس الأبله الركيك.. فكر واستنتج وتدبر.. استعمل تلك النعمة التي تفصل بين الإنسان والحيوان.. هل تراك تدرك وأنت المستسلم لهيروين الإشاعة وأفيون الإعلام الماخوري، أن نجاة الثورة وإفلاتها من قبيلة الضباع، على بعد بصيرة وفطنة وفكرة حرة.