رمضانيات تونسية
عبد القادر عبار
“سِيدِي رُمْضانْ “.. ينطقها التونسي -غير المؤدلج- بلا تكلف، وتنساب من بين شفتيه رقراقة، موقّرا بها شهر الصيام. ذلك الشهر الذي يحتاط له دون غيره ويحسب له ألف حساب.
• رمضان.. سوق حافلة ومتحركة، قائمة وممتدة على مسافة ثلاثين يوما ليلها كنهارها، لا تغلق أبوابها. ولا يكسد فيها شيء… رمضان.. كل معروض فيه يباع، وكل بضاعة متكئة على رفوفه لها جاذبيتها الخاصة على النفوس تُسيل لُعابَها ولها سلطتها الرهيبة على الجيوب تُفرغ ما فيها من السيولة بدبلوماسية قاهرة.
• رمضان.. موعد يربك ميزانية الأسرة التي ترى في حسن إخراج وتلوين وبهرجة مائدتها الرمضانية.. وجهها الاجتماعي، فتصرّ على فعل المستحيل من أجل ملئها وتزيينها بما لذ وطاب من أصناف المأكولات والمشروبات مما يُستهْلك في يومه ومما قد يفيض عن الحاجة اليومية.. ولهذا ترى مائدة إفطارنا كل يوم.. هي في شأن.
• ولأن “الجوال” لم يولد بعد في ذلك الزمن وإلا لنقل لها صورا رهيبة عن موائدنا الرمضانية.. فقد تكفل الشاعر حسين الجزيري منذ أكثر من سبعين عاما بنقل صورة كاريكاتورية للواقع الرمضاني الذي كان ولا يزال يمارسه المواطن التونسي حيث قال :
تلك الموائد ما جلستُ أمامها *** وضربتُ أخماسي إلى أسداسي
إلا وصار القلب في شرَك الهوى *** يرجو تعطّف مرْقة البسباس
وهي قصيدة رائعة، صادقة، مضحكة محزنة في نفس الوقت يختمها الشاعر بحقيقة مرة تفضح خراب وإفلاس ميزانية الأسرة بسبب الاستهلاك الفوضوي الذي ينتهجه الناس في “سيدي رمضان”.
• رمضان… موسم بكاء المحاريب.. حيث تتنافس فيها التلاوات الندية والقراءات الطرية أثناء التراويح، تحرك القلوب التي طالما قست وغفلت.. وتستفز العيون التي طالما جمدت وشحّت.. وهو أيضا عيد المساجد التي تحرص بالمناسبة على التألق والتبرج.. بما تغير من أنماط فُرُشها ودهان جدرانها وبما تعدّه من أطباق التمر الذهبي وأوعية اللبن الطري والماء البارد لإكرام المفطرين في عرصاتها… وليشهد الناس أن “رمضان كريم” فعلا.