مقهى الوطن والحلم والأمل
منجي الفرحاني
اعترضني اللّيلة وأنا في طريقي إلى المقهى الوطن والحلم والأمل سكارى يقودهم كلب مكلوب ينهق بعد أن أنساه كلَبه النّباح المباح..
لم أتعرّف على الوطن قبل أن يقدّمه لي الكلب، كان هزيلا شاحب الملامح حزينا، أمّا الحلم فقد عرفته للونه الورديّ الملطّخ ببول نخب الوطن والبعير.. نظرت إلى الأمل فاستحى من اصراري على تلوين لوحاتي بسحرة كي أحيا وبادرني بالعناق ثمّ دعاني على كأس في حانة النّسيان على النّاصية الأخرى من الرّصيف..
وقفنا عند عازف الكمنجة تحت الفانوس الوحيد الذي يشتعل في الشّارع،..
– بقيّة الفوانيس تشتعل من عبث القائمين عليها نهارا!
صاح الوطن متعجّبا.. التفت إليه الكلب وعضّه فيما تبقّى له من ضمير فسكت عن الكلام في السّياسة..
ذكّرني عازف الكمنجة بالصيدليّ الذي يشتغل زكّارا خارج أوقات عمله، كأنّ معزوفته «أنا عاشق يا مولاتي» معقّمة بنفس الباكتيريا التي وأدت الرضّع غير بعيد..
وضعت له حفنة من الشّتائم بكلّ اللّغات التي لا أتقنها في كيس نقوده ثمّ أعقبتها بالمثل التونسيّ «الّي ما تعرفش تندب علاش يموت راجلها؟»..
– ثمّ من قال لك أنّني عاشق أيّها الوغد؟ أنا أكرهها، أنا أكرههنّ.. أنا أكرهني..
ثمّ غادرنا..
رقّ الوطن لحالي ونصحني أن أتركه إلى حين على أن آخذ الحلم معي وعلى ألاّ أفقد الأمل ثم بكى بحرقة «طيّرت» سكرته وقال فأوجز:
– من نكح الموتى في ثلاّجاتي وذلك السّائق المتهوّر الذي قتل الرّيفيّات المنسيّات المهمّشات ومن قتل الرضّع ومن اغتصب التسعينيّة ومن انتخب النّخلة كي أخلى ومن نافق ومن وافق ومن تشقّق ومن أفتى بجواز ركوب الحمامة على النّخلة.. وزواج سي علاء وقحب وحش الشّاشة وأنفاق لطفي العماري و فرنكوصبايحيّة صنطوحة وانبتات ميّا ومأبون الوشم والقناطير المقنطرة من ذهب الجريمة.. تعبت سي علاء!
في حانة النّسيان، وجدتّني وحيدا بلا وطن ولا حلم ولكن الفانوس الوحيد في شارع المدينة الحزينة لا يزال ينير ألواني المتمرّدة وأحلامي الورديّة التى تأبى أن تركع للعتمة!
تذكّرت الكلب المكلوب فرجمته بفنجاني الحزين فعاد إليه نباحه ولكنّه لم يتجرّأ بعدها على الوطن..
القهوة اللّيلة مرّة وجلة ولكنّ رشفتها الأخيرة لم تخل من عسل في عيون لا أريد لجحودها أن أتذكّرها…