فتحي الشوك
العِشْرة هي الكل، هي ما تجعلنا نتجاوز لبعضنا ما يصدر عنّا من أخطاء وحماقات وزلّات في لحظات الانفلات وفقدان السيطرة على مقود الذّات، وهي ما تجعلنا نتحمّل بعضنا البعض في زمن يكون فيه من الصّعب على المرء تحمّل نفسه حين الأزمات.
بالعِشرة يحصل التّآلف ويتمّ التّعايش ويقع تفادي التّصادم لتستمرّ الحياة على ظهر مركب تتقاذفه أمواج الأقدار ليرسي بسلام في مرفأ نهايته.
وهي ما تمنع الغدر وتحصّن من الخيانة وتكبح جماح النًفس الأمّارة بالسّوء.
فكم من زوج أو زوجة كانا لبعضهما سندا ومانعا لسقوطهما حينما اشتدّت بأحدهما أزمة أو تعرّضا لمحنة مادّية كانت أو نفسية، مالية أو صحّية.
وكم من مشغّل صاحب مشروع أو شريك وجد فيمن كان يدرّ عليه بعض النّعمة وسببا في استرزاقه نصيرا وداعما وصابرا على ما أصاب مؤسّسته الّتي تمرّ بصعوبات أو ضائقة مالية.
بل إنّ بعضهم قد يفوّتون على أنفسهم فرصا أفضل للعمل من باب العِشرة وعدم نكران الجميل.
العِشرة واحدة غير قابلة للجمع أو النّصب.
تلك صفات ابناء وبنات الأصول وقد تبدو سذاجة وبلاهة عند براغماتي العقول.
في زمننا التّعيس حيث تنتهك المعاني وتغتصب الكلمات، غابت هذه الكلمة أو تكاد، لتنصب وتتحوّل إلى العَشرة.
فالعَشرة صارت شرطا أساسيا للتّعايش ولقضاء الحوائج.
فهي ما تجعل الزّوجة تقلع عن ثرثرتها صباحا وهي الّتي ترضي زوجا يدفع بزوجته لتعمل لينتصب في المقهى أو الحانة عندما يأتي المساء وهي الًتي تسكت الأبناء وقد صارت مثل حدّ أجرهم الأدنى، وهي الكلمة السحرية الّتي تفتح الأبواب الموصدة في الإدارات وتلغي احدى المخالفات المرورية وهي أيضا ما تجعلك تستطيع أن تجمع بها آلاف الرّؤوس في قاعة رياضية في حجم قاعة رادس وليس مهمّا إن كانوا قصّرا أو من ذوي الاحتياجات الخاصّة، وليس مهمّا كذلك إن سخّرت كلّ امكانيات الدّولة فهي جعلت لذلك، لخدمة الدّولة وأهلها من يحملون جيناتها الوراثية!
العٓشرة تتعاشر وتتكاثر وفي الغالب ما تكره العزلة وتحبّذ الكثرة، فبقدر عدد العشرات تتحقّق الغايات.
وهي غالبا ما تصرّف بالعملة المحلّية بعد أن قبضت اوروات ودولارات، فهي لغة عالمية معولمة بها تتمّ المعاملات والصّفقات وبها يتمّ بيع الأوطان والإنسان.
المال كثير ولا خوف من الفقر!
هكذا غابت العِشرة وحضرت العَشرة!
غابت العِشرة وحضرت العَشرة !

فتحي الشوك