تونسيون “بـــــدون”
تعتبر قضية البدون في المشرق العربي وفي بلدان الطفرة النفطية إحدى القضايا المجتمعية والانسانية الهامة والّتي يتمّ التّعامل معها طورا بالتّجاهل وأحيانا أخرى بانتقائية وفق الولاءات والتركيبة السكانية ولم أكن أعتقد انّنا في دولتنا الوطنية المدنية ذات الإمتداد الحضاري الممتدّ إلى أكثر من 3000 سنة حضارة حسب ما يتشدّق بذلك كهنة معبد النّمط نعيش مشكلة مماثلة وربّما بأكثر حدّة.
ما سلّط الأضواء مجدّدا على مثل هذه الظًاهرة هو اكتشاف شابّ كان من بين ضحايا كارثة السبّالة يبلغ من العمر 23 ربيعا قصفته مبكّرا إهمال الدولة وتهميشها إذ اتّضح أنّه منذ مولده كان خارج مجال حساباتها تماما مثل فتاة مصابة ذات 14 ربيعا ترقد بمستشفى سهلول ثبت أيضا أنّها بدون أوراق ثبوتية، حالاتان تمّ الكشف عنهما بالصدفة وما خفي كان أعظم.
كم من البدون يوجدون بيننا ويقاسموننا الانتماء إلى هذا الوطن الكرتون؟
لا توجد أرقاما رسمية ومضبوطة لكن ما أشار اليه رئيس الهيئة العليا للانتخابات السابق شفيق بوصرصار منذ خمس سنوات يؤكّد على أنّ الأرقام مرتفعة وتفوق تلك التي في السعودية أو الكويت أو الإمارات أو قطر أو البحرين فهو تحدّث عن 500 ألف منهم 300 ألف إمراة يعيشون خارج حسابات واهتمامات الدولة، خارج التاريخ والجغرافيا، تائهوون على سفوح الجبال وفي الصحراء خصوصا على الحدود مع الجزائر في مناطق مثل حليمة وعين الزانة وفرنانة وأولاد مفدة وفي مناطق أخرى كثيرة، كان ذلك منذ خمس سنوات فكم ترى يبلغ تعدادهم الآن؟
يضاف إليهم الحالات التي لم تسجّل في دفاتر الحالة المدنية في كل مناطق الجمهورية نتيجة للفقر والجهل والتجاهل والتهميش مع بعض الحالات التي سلبت منها قسرا هوّياتها في سنين الاستبداد والتصًحر النوفمبري.
لا توجد أرقاما دقيقة للبدون لكن قد يتجاوزون المليون!
قد أجد الأعذار للحكومات الوطنيّة حتّى النّخاع المتواترة منذ كذبة الاستقلال المزعوم فلها من الهموم والمشاغل ما يكفيها، وهي الّتي أنتجت شريحة أخرى من البدون، كائنات هجينة مشوّهة بدون فكر وبدون انتماء أو هويّة أو بدون قدرة على العطاء والحياة.
كلّنا بدون، يبدو الأمر كذلك.