تدوينات تونسية

الهامش الذي لا تصله عين الدولة

عايدة بن كريّم
واقعة السبالة ليست كارثة طبيعية عادية وليست حادث طريق عادي قد يحصل في أي جغرافيا وفي أي زمان… حتى يكون التفاعل معه “تضامن” بمعنى جمع التبرعات والمساعدات المالية والعينية والإسناد النفسي وبلاتوهات يحضروا فيهم مسؤولين وسياسيين وبعض الأفلام الاستقصائية لاستجداء التعاطف… (وتصفية حسابات سياسية).
هو حادث يعكس عُمق الهوّة بين تونس الدواخل وتونس المراكز… الهوة بين أنماط العيش وبين مُستوى المعيشة… وأيضا في أشكال تعاطي “الدولة الوطنية الحديثة” مع الجهات التي لم تشملها “عصرنة” بورقيبة.
الدولة ما بعد الإستعمارية كانت انتقائية في سياساتها التنموية وفي مخطّطاتها وفي توزيعها للثروة… زعماء تلك المرحلة كرّسوا عقلية “بلدي-آفاقي”/”ساحلي-جماعة 08”. وشطروا تونس إلى نصف عصري يعيش الرفاه ويتمتع بخيرات تونس ونصف تقليدي يعيش الفاقة ويُنتج الخيرات ولا يتمتع بها… نصف تمتع بالامتيازات المادية لدولة “الإستقلال” (استثمارات وقروض وبنية تحتية: المنستير وسوسة والعاصمة) وتمكّن أولاده من مفاصل الدولة (وزراء وسفراء وقناصلة ومدراء عامين لمؤسسات حكومية) ونصف حوصر داخل الأرياف وحُرم من أبسط الحقوق. وبقي موصوما 08.
المجلاّت والقوانين والاتفاقيات كانت ولازالت لا تشملهم لأنها ليست على مقاسهم… هم الهامش الخزّان الذي يُزوّد المركز بالطماطم والبطاطة وبعلوش العيد وبالمعينات المنزلية وبعمّال المرمّة وبخدّامة الحزام… هو أيضا خزّان انتخابي بسبب التفقير والتجهيل والترذيل الذي مورس عليهم طوال عقود.
هم الهامش الذي لا تصله عين الدولة ولا تشمله المفاوضات الاجتماعية ولا السياسية…
الهامش غير المُفكّر فيه… وحتى أولاده حين يقبل بهم المركز لا يلتفتون خلفهم يتزوجون “بلدية” ويسكنون الحاضرة ويتنكرون للهامش الذي خرجوا من رحمه.
ذاك الهامش ليس بحاجة لكردونة “يرحم خليل” ولا لتعاطف “سامي الفهري” ولا “لاستقصاء” مُعز بن غربية… هو بحاجة لاعتراف.
هم لا يستجدون تعاطف الدولة ولا دموع المشاهدين بل هم أصحاب حق…
اعطوهم حقّهم في الوطن… حقهم في الكرامة.
حقهم ليس التعاطف بل الاعتراف…
المساواة في المواطنة…
1 ماي، وقفة “الفولارة”.
بداية ردم الهوة تبدأ باعتراف.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock