الطيب الجوادي
أو يوم نطق حمار المنصف ولد عمّي!
حدث الجوادي قال: أصل ذلك، أنّ أهل إفريقية شهدوا في عصر السبسي غلاء فاحشا في الأسعار طحن اللحم والعظم وأيأس الناس وجعلهم في كرب عظيم، فأوجفت القلوب واستوحشت النفوس، وتنادى قوم إلى الخروج على السلطان وخيف من الفتنة، واغتنم بعض الأفاقين من الساسة الفرصة لعرض أنفسهم على الناس لتزكيتهم ليكونوا سادة عليهم،
فطلع عليهم المنصف ولد عمي راكبا حماره الأشهب ومنتعلا بوطه الكاوتشو وهو يدخن سيجارته الحلوزي، فاجتمع حوله الناس وأمسكوا بذيل حماره الشريف وسألوه أن يفتيهم في أمرهم ويرشدهم إلى طريق الخلاص، عسى يعود السلام ويشتغل العاطلون ويعم الخير، فأشار بيده الشريفة على الجموع أن انصتوا، فساد صمت القبور، فأشار إلى حماره وقال: إن ما يحصل في افريقية ليثير العجب وينطق حماري هذا: هل سمعتم بقوم منكم يقولون: لو ملكتمونا ناصيتكم اليوم لجعلنا منكم سادة ومن بلدكم واحة ولأطعمنا الجياع وشغلنا العاطلين ولفُقنا اليابان والصين والناس أجمعين، والله إن برذوني هذا أصلح لكم منهم، قال الجوادي، وقد والله حصل أمر لم يشهد الناس له مثيلا، فقد نهق حمار المنصف نهقة زلزلت المكان وأرعبت الصغار والكبار، وإذا به يتكلم بلسان عربي فصيح ويقول: إذن أحكم معهم، فلا أراهم يفوقوني في شيء، قال ذلك ثم صمت وعاد إلى برسيمه، وولله لقد كبر الناس وسجد بعضهم وسموا عامهم ذاك عام البرذون وللّه الأمر من بعد ومن قبل..
الفرائد السنية في غرائب أهل افريقية للإمام البرذوني نفعنا الله ببركاته