الأحد 13 يوليو 2025
سفيان العلوي
سفيان العلوي

النهضة على أعتاب إستحقاق إنتخابي آخر

سفيان العلوي
تراكم حركة النهضة تجربة انتخابية هامّة وتعزز حضورها في المشهد السياسي والانتخابي كحزب “كبير” يحتفظ بملامح وحدة لم تتهيأ لغيره، كما تمنحها استطلاعات الرأي اسبقية دون أغلبية مريحة أمام تشظ وتعدد عام يطبع الانتقال الحزبي في ظل الانتقال الديمقراطي الحالي في تونس. لكن الاستحقاق الانتخابي المقبل يحمل للنهضة مجموعة من الهواجس والتحديات ليس اقلها الاحتفاظ بنفسها في المشهد وتأكيد جدارتها بالحكم.
1. التوافق: سقطت التجربة وبقيت الفكرة
أفضت نتائج انتخابات 2014 الى مشهد سياسي جديد نسبيا. تراجعت حركة النهضة الى وضع الحزب الثاني وخسرت جزءا من الحاصل الانتخابي الذي جمعته في 2011 لكن الانتخابات لم تمنح اغلبية مريحة للحزب الفائز حزب النداء والذي أصرّ على تجميع كل الرئاسات وتعطيل تجذير دستور 2014 وكان عاجزا على تشكيل الحكومة دون تشريك حزب وازن في البرلمان فكانت المشاركة الرمزية للنهضة في الحكومات التي تلت هذا الاستحقاق. دخل الحزب الاغلبي سريعا في ارتباك تحول الى سلسلة من الانشقاقات والانهيارات القت بظلالها على كامل المشهد. دخل التوافق بالضرورة في ازمة حتمية ألقت بظلالها على كامل المشهد السياسي. كان التوافق في الواقع حلا ظرفيا لمنع أزمة سياسية عميقة ومنع الانزلاق نحو الاحتراب الاهلي والفوضى العارمة ولقد كان خيارا مرا للحزبين الاغلبيين وخيارا اوروبيا (تحديدا وصفة ألمانية ومنذ 2012) لمنع قيام بؤرة توتر عارمة في جنوب المتوسط. لم يفلح النداء في الحفاظ على وحدته وعلى مصداقية خطابه لناخبيه ولعموم التونسيين ولاصدقائه في الخارج ولم يفلح في جر النهضة الى مزيد من التنازلات المهينة التي تفقدها باستمرار جزءا من رصيدها الانتخابي وتعزلها عن شارع يعرف وزنها الفعلي فيه. انتهى التوافق عمليا بين الحزبين كتجربة وبقيت كفكرة لادارة المرحلة في ظل مناخ دولي معاد وانتقال حزبي متوتر.
2. أم الولد والبراغماتية
يسود اعتقاد واسع داخل النهضة وفي تونس عامّة ان الانتقال الديمقراطي مرتبط الى حد كبير ببقاء النهضة في المشهد ان كان من حيث حجم تمثيلها لشرائح اجتماعية واسعة عانت طويلا من الاقصاء و التهميش او التزامها بقواعد اللعبة الديمقراطية وحالة التوازن امام المنظومة القديمة بكل تحالفاتها الطبقية. وهذا البقاء قد يبرر التنازلات والتحالفات الهجينة. يستحضر بعض قادة النهضة غالبا حكاية أم الولد لمن يطعن في مبدئيتها ووطنيتها وانسجامها مع مرجعيتها وتاريخها. في المقابل بدا يسود خطاب واقعي داخل النهضة يقرن بين ممارسة السياسة والبراغماتية وينزع عنها زخم الطهورية المعيق للحركة والمعدل للتوازنات داخلها ويرفع الحرج امام ضغط “الصف الثوري” الراديكالي الذي يقف على يسارها.
3. ساندروم بن توميّة أو معضلة الترشيحات
يفرض النظام الانتخابي شرط التناصف الافقي والعمودي وهو ما يبدو بعد الممارسة شرطا سرياليا وغير واقعي او مستقبلوي “futuriste” بالنسبة للنسق الاجتماعي الحالي التونسي. هذا الشرط فرض ضغطا شديدا على تشكيل القائمات وخاصة على الترتيب داخلها. هذا مشكل ليس خاصا بالنهضة بل يعني كل الاحزاب تقريبا. تحاول النهضة ان تلائم بين رهانات اربعة: مراكمة الخبرة للممارسة النيابية السابقة والانفتاح على المستقلين والوافدين الجدد على الحزب من ذوي الكفاءات وخاصة ترضية جزء من قياداتها المحلية التي تشعر بغبن العمل الميداني وانسداد الفرص امامها ويتمثل الرهان الرابع في ضمان تمثيلية محلية متوازنة بين المعتمديات داخل الولاية الواحدة. هذه المرّة يبدو ان الضغط اصبح على اشده امام اصرار القيادات المحلية على الترشحات. وامام هذا الوضع يبدو ان انفتاح النهضة على حزامها الاجتماعي وخاصة الصف الثوري يبقى معوقا مما يفتح الباب امام هذا الهامش الغاضب على العمل للحساب الخاص وتشكيل ائتلافاته وقائماته المستقلة. هذه الائتلافات تنافس النهضة بالضرورة على جانب من رصيدها الانتخابي المفترض.
4. تجربة الحكم ووجها العملة
من الصعب تقييم كامل ودقيق وموضوعي لتجربة الحكم في حيز ضيق وذلك لخصوصية الظرف الانتقالي وسياقاته المعقدة ولتباين التمثلات لهذه التجربة من قبل الشركاء والخصوم/ المنافسين على حد السواء. لعله من المهم الحديث عن مشاركة في الحكم اكثر من تجربة حكم فعلية ومن هذه الناحية فالنهضة شريكة في النجاح وفي الاخفاقات. واذا كان “لا يستوي الذين يحكمون والذين لا يحكمون” كما يحلو لقياديي الجبهة الشعبية الترديد فان وضع المعارضة بعد الثورة يختلف جذريا عن وضعها قبلها ويجوز القول ايضا “هل يستوي الذين يعارضون والذين لا يعارضون؟” بمنطق الربح والخسارة والاريحية في ذلك. ولعل صيحات الفزع التي انطلقت بعد النقاش حول رفع العتبة الانتخابية واعتبارها اقصاءا ممنهجا للمعارضة والمستقلين هي اقرار ضمني بمشاركة المعارضة في الحكم. او ليس البرلمان طرفا في الحكم؟ في الواقع لازلنا نجهل الكثير عن مزاج الناخب التونسي وحديثنا حوله لا يغادر حديث الاماني.
5. عقدة الاعتراف وهواجس أخرى
قد تكون حركة النهضة خسرت من رصيدها الانتخابي وهذا يمكن التدليل عليه بالارقام لكن ماذا ربح خصومها؟ اكاد أقول لا شيء. ولذا فالخسارة في الثقة السياسية هي خسارة جماعية واستعادة الثقة في كل المنتظم السياسي هي حاجة وطنية. لقد تحررت النهضة بأقدار من عقدة الاعتراف السياسي والثقافي والاجتماعي والدبلوماسي واقتربت من ممكنات فن الممكن لكن الهواجس القديمة تبقى ثاوية في المخيال والممارسة ولها ما يبررها في استمرار خطاب الكراهية والوصم والاستئصال الذي يستهدفها اكثر من غيرها من مكونات الطيف وتقلب الساحة الاقليمية والدولية. وهي تدرك اليوم ان استهدافها بالجملة هو استهداف للوطن واستقراره.
6. معارك الهويّة وأولوية المسالة الاقتصادية والاجتماعية
تبقى معارك الهويّة منطقة مريحة للنهضة ولخصومها في نفس الوقت. فالذين راهنوا على اجتثاث ما سمي الاسلام السياسي ويعتبرون النهضة احد ابرز “بقاياه” هم يعتبرون ان المعركة “الوجودية” معه لم تحسم بعد ولا يعترفون للنهضة باي مراجعة فكرية خارج الانساق القديمة والصور النمطية الاخوانية. وبالتالي كلما خفتت معارك الهوية التي يتقنون فيها لعبة الهجوم يسعون الى اذكائها او استذكارها وجلب خصمهم الى مربعها. كما لا يعترفون للنهضة باي عمق اجتماعي او وطني ويرفضون تحيين علبة ادوات التحليل والخطاب في اتجاه اي اعتراف بها او على الاقل بوجود “طبيعي” لها كفاعل اجتماعي وجزء من فسيفساء الوطن وحراكه. بالمقابل تجد النهضة او قطاع واسع منها ذاتها في ذات المعارك وهي تتقن دور الدفاع وتمرست عليه والبسته من مظلوميتها الكثير. يبقى ان الشعور العام امام استعصاء التغيير والصعوبات التي يمر بها الوطن انما هي بالاساس اجتماعية واقتصادية فالرفاه الاجتماعي كفيل بتأمين التعايش وحقن الاحساس بالغبن. ويسود اعتقاد داخل النهضة ان التحدي الحقيقي في الانتخابات القادمة هو البرنامج الاقتصادي و الاجتماعي والاستجابة لانتظارات الناس بشرائحهم الواسعة. وصارت لديهم معرفة اوسع بمقدرات الوطن وامكانات الدولة الحقيقية.
البشرية في الكل و الشيطان في التفاصيل..


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

سامي براهم

“دولة الشعب أم شعب الدّولة”

سامي براهم  ربطت عدد من الدّراسات ظهور “الإسلام السياسي” بسقوط الخلافة الإسلامية وحلم استعادتها، وربطه …

سامي براهم

تحولات “الإسلام السياسي” في تونس من خلال وثائق تقييمية

سامي براهم  تهدف هذه الورقة إلى دراسة المراحل التي مرَّ بها التيار الإسلامي في تونس …

اترك تعليق