برنامجٌ سُرياليٌّ لأستاذٍ نكرةٍ مُرّشحٍ للرئاسةِ.. أستاذٌ متقاعدٌ "مُڤَرْبَعٌ"؟ 

محمد كشكار
مواطن العالَم
تنبيه ضروري أوجهه للمنزعجين دوماً من مقالات كشكار:
أيها الأحبة، لا تنزعجوا وهدّؤوا من روعكم. أنصحكم بأن تقرؤوا مقالي التالي قراءةً أدبيةً ترفيهيةً وليس قراءةً سياسيةً جديةً. ماذا أقصد بِنعت سُريالي؟ أي غير واقعي، خياليّ مُبْرِزٌ للأحوال اللاّشعورية، مشهدٌ سُرياليٌّ يدعو للدهشة (Qui évoque le surréalisme par son caractère bizarre)، والدليل أن المرشحَ هو عبدُكم الفقيرُ لله، “شايِبْ كَحْيانْ”، يجلسُ يوميّاً في مقهى الشيحي التعيسة من الساعة السادسة إلى الثامنة صباحاً، وحيداً ومعه كتابٌ.
مقدمة:
في برنامجي الرئاسي هذا، لا أعِدُكم بأي إنجازٍ جديدٍ، على العكس أعِدُكم بِهدمِ عديد الإنجازات القائمة في تونس. لو فزتُ سأهدم كل المؤسسات الطفيلية (Les institutions parasites)، أي المؤسسات التي نصرفُ عليها سنويّاً آلاف المليارات من الدنانير ولا نكسبُ من ورائهاً شيئاً يُذكَرُ، لا ماديّاً ولا معنويّاً!
أقدّمُ لكم في عشرِ نقاطٍ “خفاف ظراف” برنامجيَ الرئاسيَّ الواعدَ بكل خيرٍ:

  1. أبدأ بحذفِ مؤسسة الرئاسة نفسها، لا تحلموا كثيراً، أحذفُها بعد نهاية فترتي طبعاً، وإلا “ما نِتْسَمّاشْ تونسي”! قدوتي دولة ألمانيا، عندها رئيسٌ شرفيٌّ. وهل شرّفنا الرؤساء الخمسة الذين مرّوا علينا خلال 63 سنة حتى نُبقِي على مؤسسة الرئاسة؟ خذلونا، مرّروا “عيشتنا” ومرّوا على أجسامنا مجازيّاً وفعليّاً!
  2. أحذفُ مؤسسة الجيش بجنودها وضباطها. قدوتي بعض الدول التي لا تملك جيشاً مثل دولة كوستاريكا.
  3. أحذفُ المساكن الوظيفية والسيارات الوظيفية و”بونوات” البنزين التي يتمتع بها المسؤولون السياسيون والرَّمَعَ (PDG). قدوتي دولة السويد وما أدراك!
  4. أحذفُ مؤسسة التفقد البيداغوجي في وزارة التربية. قدوتي دولة فنلندا.
  5. أحذفُ الامتحانات الجزائية الثلاثية والسنوية (Évaluation sommative) في الابتدائي والثانوي ولا أترك منها إلا ثلاثة: السيزيام والنوفيام والباكلوريا تتخللها تقييمات تكوينية (Évaluation formative).قدوتي دولة فنلندا.
  6. أحذفُ سلك القيمين في الإعدادي والثانوي. قدوتي دولة أمريكا الشمالية.
  7. أحذف جميع الإعداديات والمعاهد النموذجية لأن جل خرّيجيها يهاجرون طمعاً في المال بعدما صرفنا عليهم من قوت عيالنا. قدوتي دولة فنلندا.
  8. أحذفُ مركّب الصناعات الكيميائية بڤابس لأن مضارَّه على سكّان مدينة ڤابس وأحوازها أكثر من منافعِه. قدوتي دولة النورفاج التي ألغت استغلال حقل نفطي، بقيمة 65 مليار أورو، حمايةً لصحة مواطنيها وحِفاظاً على جمالية بيئتِها.
  9. أحذفُ الإضراب عن العمل في القطاع العمومي من جميع القوانين الداخلية لكل النقابات التونسية لأن مضارَّه على العمال والموظفين أنفسِهم أكثر من منافعِه. قدوتي فِكرُ المفكر الحر، محمد كشكار.
  10. أحذفُ ديوان الأراضي الدولية الذي يتصرّفُ في 500 ألف هكتار من أخصب الأراضي التونسية، مؤسسةٌ عموميةٌ خاسرةٌ منذ سنة 1975، أسلبُه جميع أملاكه وأسلِّمها للفلاحين دون أرض لِكي يُقيموا عليها تعاونيات اقتصاد اجتماعي-تضامني. قدوتي التجربة الناجحة بمسقط رأسي جمنة الحبيبة.

خاتمة: يحقّ لقارئٍ أن يسأل: لماذا لا تحذفُ مؤسسة الفساد؟ أجيبه: أولاً، مؤسسة الفساد في تونس هي أكبر مؤسسة منتِجة.. منتِجة للفُسّاد البَنّائين.. الفُسّاد الذين يحتكرون السلع الغذائية ويرفعون أسعارَها متى شاؤوا، ويبنون لنا القناطر المغشوشة، ويشيّدون لنا الطرقات المحفورة ومطبات البهائم، ويستوردون لنا المستلزمات الطبية الفاسدة، ويوفّرون للمدخنين سجائر “البِينْ” الرخيصة كرُخصنا، ولا يعقدون الصفقات العمومية إلا بالرشوة، ولا يُشغِّلون “البَطّالة” إلا بالمحسوبية، إلخ. ثانياً وأخيراً، مِن أين ستقتاتُ حكوماتنا المتعاقبة لو حذفتُ مؤسسة الفساد؟

إمضاء مواطن العالَم
الاستقامةِ الأخلاقيةِ التي أتبنّاها تتجاوز الاستقامةِ الأخلاقيةِ الدينية لكنها لا تنفيها، لا تناقضها ولا تعاديها بل تكمّلها وتحميها: الأولى تُمارَس على المستوى الفردِيِّ (La spiritualité à l’échelle individuelle)، وهي فردية أو لا تكون، وقد تتوفّر عند المتدين (Le croyant) وعند غير المتدين (Le non-croyant)، وقد يكتسبها الفرد من الدين (الجهاد الأكبر) أو من الفلسفة أو من الاثنين معاً كحالتي. أما الثانية فلا تُكتسَبُ إلا من الإيمان بِدينٍ معيّنٍ، ولا تهم غير المتدينين، وهي كالدين اجتماعية أو لا تكون (La spiritualité d’une société ou d’un état).
الهُوية هُويّات، أنا مواطن العالَم، كشكاري، ڤَصْرِي-شِتْوِي، حَمَادِي، جمني، حمّام-شطي، تونسي، شمال إفريقي، أمازيغي، عربي، وطني، قومي، أُمَمِي، مسلم، عَلماني، يساري غير ماركسي، عربي اللسان، فرنكفوني، محافظ، حداثي. كل هُوية تُضافُ إليّ هي لشخصيتي إغناءُ، وكل هُوية تُقمَعُ فيّ هي إفقارُ.
و”إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ” جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 20 أفريل 2019.
Exit mobile version