الشعوب تحاكم التاريخ

نور الدين الغيلوفي
الشعوب وحدها هي القادرة على تغيير الواقع وفتح الآفاق وكسر القيود وهدم الحدود وإزالة السدود…
صدق الجزائريون في اجتراحهم لعبارة (فخامة الشعب العظيم)..
الجماهير الهادرة وحدها قادرة على تطهير البلاد العربية من الرداءة والبذاءة والقرف…
لم تخرج دولة من دول الاحتلال إلّا وزرعت في الأرض ألغاما تقتل البشر وأملاحا تَفتك بالحياة..
بعد زمن الاحتلال جاءت دولة الاستقلال لتحكم بشرعيات هي أقرب إلى المنّ والأذى منها إلى السياسات النافعة.. شرعيات الجهاد والتحرير والتعليم والتنوير والإطعام والإنعام والوحدة والعدالة والدين..
وقد استثمر القادمون على جياد الأكاذيب انتشار الجهل واستشراء الجوع.. وصدّق الناس إذ ظنّوا أنّ حكّامهم من أشباههم سيرفعون عنهم إصر المحتلّين وأغلال الزمان.. غير أنّ الدولة كانت وطنية بالاسم احتلالية بالفعل.. وقد تحوّلت إلى وحش يلتهم كلّ شيء.. يعلّم الناس الكفاف من الفتات.. وحتى إن أطعم الحكام الناس من جوع لم يؤمّنوهم من خوف.. بل أطعموا منهم البطون، إن أطعموا، لقاء جعلهم مزارع للخوف وخرّبوا منهم الأرواح.. وحتى عندما أطعموهم فليلتهموهم كمن يعلف خراف الإضحية…
كان الحكام المدنيون مثل العسكريين يتشابهون في جلد الظهور وإن اختلفوا في أنواع السياط.. ولم تبرع الدولة الوطنية في شيء براعتها في بناء السجون والمعتقلات…
في البلاد الأخرى تسمع عن أسماء لمبان كبرى وجسور شهيرة وجامعات لامعة ومطارات دولية ومسارح عجيبة ومنشآت غريبة.. وفي بلاد العرب تسمع عن برج الرومي.. وبوسليم.. وتازمامرت.. وتدمر.. والقلعة.. والعقرب.. تفتح الكتاب فتعرف أنّها لا تعدو أسماء لسجون شهيرة.. مزارع للرعب والقهر.. وما خفي كان أعظم…
حكم الليبراليون في تونس الجمهورية والمغرب الملَكيّة.. فقهروا الشعوب ونهبوا الخيرات.. وسحقوا الإنسان.. وهربوا الأوطان…
وحكم الشيوعيون ظاهرين في اليمن الجنوبيّ والعراق ومختفين في غيرهما فتقهقرت البلاد إلى الوراء وجاع الخلق.. وتناسلت الانقلابات…
وحكم القوميون العسكريون مصر وليبيا وسوريا والعراق.. فاختلفوا على معنى العروبة وقضّوا الزمن في مناقشة الرتبة بين الوحدة والاشتراكية.. أمّا الديمقراطية فخنقوها.. واختطفوا كل شيء ونشروا الجهل والفقر والمرض وأهدروا الثروات والأوقات وفرّطوا في الأوطان.. رفعوا لواء الوحدة باليمين وأسلموا الأراضين بالشمال.. كما حصل للضفة الغربية والجولان وسينا…
وحكم الإسلاميون في نسختهم السنية السودان فانقسمت دولة السودان في عهدهم.. وعمّ فسادهم حتّى جاع الناس فضجّوا وقالت كنداكتهم عبارتها الشهيرة (قتلونا باسم الدين)..
وحكموا في نسختهم الشيعيّة إيران فقهروا المخالفين في بلادهم وسعوا في بلاد العرب احتلالا وإفسادا.. احتلّوا العراق وما أدراك ما العرق.. وهجموا على سوريا فأفسدوا ثورة شعبها ودمّروا مدنها.. وامتدّت أذرعهم إلى اليمن تقهر شعبه وتزرع فيه الجوع والوباء.. كأنّهم، وهم الإسلاميون، نكصوا إلى فارسيتهم يثأرون لها من عرب أدخلوهم في الإسلام يوما…
كلّ أولئك أفسدوا الأوطان.. قهروا الإنسان وأهدروا الزمان وفرّطوا في الأرض.. وفي أحسن حالاتهم عجزوا عن عمل نافع وفعل مفيد…
وإذن لم يبق أمام الشعوب، وقد تدربت على كسر قيودها، غير كنس تلك الخرق البالية التي ما عادت توافق طموحاتها أو تستجيب لأشواقها.. ودعك من عناوين القيادات الواعية فالشعوب أكثر وعيا.. ودعك من الأفكار البانية فكلّ الأفكار سواء…
هذه الشعوب تعشق الحرية كما لا يرى الليبراليون..
هذه الشعوب عربية كما لا يفهم القوميّون..
هذه الشعوب إسلامية كما لا يريد الإسلاميون.
هذه الشعوب تتشوّق إلى العدالة كما لا يفهم الشيوعيون..
دعوها فهي أقدر منكم على تقرير مصائرها..
ومصائرُها لن تكون بغير أيديها…
إنّها لا تحتاجكم لتعرف الطريق.

Exit mobile version