هؤلاء أعادوا التجمع إلى السلطة ؟؟
نصر الدين السويلمي
عندما نستمع الى الكثير من الأصوات في تونس تنصح الشعب الجزائري بالقضاء التام على المنظومة الحاكمة حتى لا يتكرر ما وقع في تونس، حينها ندرك أن طبقة كبيرة من التونسيين لا تحسن قراءة الصورة بطريقة سليمة أو ربما قرأتها بشكل عكسي، لأننا في تونس وحتى تاريخ 23 أكتوبر 2011 لم تكن هنالك ثورة مضادة قادرة على قلب الموازين ولا هي قادرة حتى على المشاغبة بأشكال جدية، حينها انتهى العرس الانتخابي وأفصح الشعب عن عبقرية نادرة في تقسيم المجلس التأسيسي على القوى الفاعلة بشكل قارب الكمال، لولا الطريقة الممجوجة التي اعتمدها الهاشمي الحامدي من خلال إرباك المشهد بقناته التي خدشت الكمال ومكنته بلا سابقة وبشكل مهجن من نسبة لا تتماشى وحجمه، ماعدا ذلك كان التمثيل عادلا وفق بلاء الأحزاب ضد حكم الجنرال، ذلك هو مكان النهضة ومكان المؤتمر والتكتل والتقدمي، ثم المنظومة القديمة ممثلة في المبادرة ثم القوى اليسارية القومية التي شكلت فيما بعد الجبهة الشعبية، وحتى ندقق اكثر كان للتقدمي مكانة أرقى، غير ان اخطاء الشابي التكتيكية عصفت بالكثير من حظوظه. اذًا كانت المنظومة القديمة بعيدة كل البعد عن قلب الموازين، بعد ان حجّمها الشعب ومكن للقوى المعارضة، ما يعني انه فوضها بشكل واضح لتصفية فلول النظام سياسيا، والحيلولة دون ركوبهم للمال والإعلام كوسائل للعودة من جديد.
كانت كل المؤشرات تؤكد ان الثلاثي الذي قاد الترويكا ستستنزفه المطلبية وسيخرج من المرحلة الأولى في حالة إرهاق كبرى، ما سيفتح المجال للدفعة الثانية كي تتولى مقاليد السلطة، ربما بشراكة مع بقية ترويكا مثقلة متعبة، لانه حتى لو أفسح المجال أمام الترويكا وانجزت وابدعت ما كان لها ان تلبي شراهة شعبية كانت تترقب زوال الجحيم وقدوم الجنة، لذلك كان الشعب سيقوم بتصعيد الثلاثي الثاني الشابي اليسار “عمال + قطب” الى جانب قوى أخرى على غرار حركة الشعب وآفاق، قد لا يكون الاجتياح، ولكن بالتأكيد كانوا سيقتربون كثيرا من قاطرتها.
هذا التصفيف الانيق الذي هندسته فطرة الشعب، اربكته الأحزاب التي تنافست مع مكونات الترويكا، والتي اثثت معها او مع بعضها مبادرة 18 أكتوبر، بدأت الدفعة الثانية التي صعدها الشعب الى دكة الاحتياط، باجترار الاحباط ثم تحولت الى الغضب ثم الحسد ثم الحقد ثم سرعان ما اعلنت مكوناتها الحرب على الترويكا، ولأنهم فشلوا في التقاط اللحظة، ورفضوا التدرج والصبر وصولا الى التداول، ولان الحسد سيطر عليهم، كيف لا يبدا الشعب بهم وبدا بغيرهم، من أجل ذلك شرعوا في شن الهجمات العشوائية المدمرة، وتحركوا نحو الكارثة حين اقدموا على استدعاء ترسانة بن علي وتأهيلها ثم استدعوا منظمة الشغيلة لكثافة نيرانها، وبعد ان كانوا هم القوة الثانية في البلاد، والمرشحة لخلافة الترويكا، شرعوا في تصعيد قوى نقابية تحت سيطرة الخصم الأيديولوجي لقاطرة الترويكا “النهضة” وقوى تجمعية تحت سيطرة الخصم الذي يملك مداخل ومخارج السلطة بعد ان عركها لأكثر من نصف قرن، وفي لحظة ساخرة تحولت القوى التي اكرمها الشعب الى دواب تحمل اثقال التجمع وسواعد تفسح له الطريق، شرعوا في تأهيل التجمع للانتقام، وارسلوا العباسي يهش لهم الترويكا، يتستنزفها يبالغ في ارهاقها.
اذا في تونس لا دخل للمنظومة القديمة بالأمر، رغم انها رافقت مرحلة ما قبل 23 اكتوبر 2011 إلا انها كانت “حمالة في النازلة” وضعها الشعب حيث موضعها، لكن من تولى كبر الثورة المضادة وجرها الى مؤسسات الدولة، هم الثلاثي التاريخي، حسين العباسي، محمد نجيب الشابي، وحمة الهمامي، قبل ان ينقلب هؤلاء ما كان لتجمعي واحد ان يرفع صوته في شوارع تونس بل في صحاريها، ولما افسحوا له نكاية في الترويكا، رفع التجمع صوته في جميع القصور السيادية، ثمر رفع عليهم صوته، كما رفع عليهم اشياء اخرى مذلة ومخلة..