الهجوم على طرابلس والمستهدف الأساسي هو الجزائر

أبو يعرب المرزوقي
هل سكوت قيادات الجزائر على ما يجري في ليبيا دليل جهل استراتيجيي أم هو خيانة استراتيجية؟ إذا كان جهلا استراتيجيا فلعله مبني على الظن أن حفتر في خدمة المصالح الاقتصادية المباشرة لا غير. وهذا جهل استراتيجي لأن ذلك قد يفهم في العلاقة بإيطاليا ومصر. لكن لا يمكن أن يفسر اهتمام غيرهما بليبيا.
لا يمكن ألا يفهم أي جزائري له دراية بمنزلة الجزائر في الاقليم علل اهتمام فرنسا بليبيا ولا اهتمام الثورة المضادة سواء العربية أو الإيرانية أو خاصة اهتمام إسرائيل بليبيا عن طريق عملاء ناتنياهو العرب. ولذلك فالأمر لا يمكن أن يخفى عن أي قائد مهما قلت ثقافته التاريخية وتكوينه الاستراتيجي: هي خيانة للجزائر لأن فيها تجاهلا لدورها.
3-فلا أحد يجهل أن فرنسا تعلم أنها إذا خسرت الجزائر خسرت كل افريقيا. ولا أحد يجهل أن إيران إذا خسرت الجزائر خسرت كل مسلمي افريقيا. ولا أحد يجهل خاصة أن عداوة إسرائيل للجزائر من جنس عداوتها لتركيا لأنها تعلم أنهما قوتان فعليتان عسكريا ويسعيان لنزع تفردها بالردع في الاقليم. وأدواتها معلومة.
فأدوات إسرائيل وفرنسا واحدة وهي نفسها المستعملة ضد تركيا والجزائر: محاولة إحياء النعرة العرقية باستعمال بعض الأكراد وبعض الامازيغ ممن يدعون العلمانية والحداثة المستلبة. وما تستعمله إيران هو الطائفية. وما تستعمله الثورة المضادة العربية هو المال القذر. ولما رأوا استحالة تفتيت الحراك الجزائري سارعوا بتحريك كلبهم حفتر والمليشيات الإرهابية التي صنعتها المخابرات الغربية وأذرعها الإقليمية.
ولولا علمي بهذه المخاطر التي تحيط بالجزائر عامة وبالحراك خاصة لما طالبت بالمزيد من التعقل والمرونة من قيادات الحراك. ذلك أنه كلما طال سهل اختراقه وتحويله إلى مـصدر التفتيت الذي هو السلاح الأقوى في الحروب الحديثة: فهذه الحروب تستعمل الفتن الداخلية والإعلام المضلل والمزايدات للتفخيخ.
ولست أجهل أن أهل مكة أدرى بشعابها. لكن حتى من باب الأنانية لا يمكن لبلد جار ألا يحصل له كبير ضرر من المس بالجزائر. فهي شئنا أم أبينا قلب المغرب الكبير وأكبر قوة فيه وأكثره حداثة لأن وجود فرنسا فيها أكثر من قرن لم يكن له إلا الاضرار بل كان له أيضا تكوين نخبة مهمة في كل الاختصاصات الحديثة وذات مستوى عال.
وهي ذات امتداد في الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط لأن من فضائل الثقافة الإسلامية في الجزائر أنها مقوم من الذات الحضارية لشعبها ولا يمكن تصور الجالية الجزائرية في أوروبا حتى بأجيالها الأخيرة -وتصل إلى العاشر على الأقل- يمكن ألا تسهم في نهضة الجزائر عندما يستعيد الشعب دوره وطموحه لأن يكون ندا لمستعمر الأمس الذي لا يريد الندية والاحترام المتبادل بين الشعبين.
وأذكر أني في إحدى مقالاتي السابقة اعتبرت موقف قيادات الجزائر الحاليين مما يجري في ليبيا علامة قوية على إخلاصهم لثورة الشعب في حرب التحرير الماضية وفي معركة التحرر الحالية أو على عدمه. ذلك أن الجزائر تدين بعظمتها لدورها الممكن والذي تسهتدف من أجله لمحاولة منعه وجعلها مجرد سوق فرنسية.
وكلما طال سكوت قيادات الجزائر عما يجري في ليبيا كلما اتسع الخرق وعسر علاجه. أما الآن فمجرد التوماتوم حازم قد يحسم المعركة وإذا لم يحسمها فمجرد كوماندو من شباب الجزائر الشجاع والمدرب يمكن أن يهزم جيوش العرب الباقين كلهم فضلا عن الجبان الأخرق حفتر ومموليه من قبائل الأعراب.
وليس ضروريا أن يكون ذلك علنيا لعلمي بأن الجزائر من مصلحتها تجنب الدخول في معارك معلنة وخاصة الآن والحراك لم يستقر على استراتيجية مرنة تمكن من الخروج من الأزمة بنتائج مهمة وبسرعة نحو التغيير السلس الذي يحافظ على وحدة الجزائر قبل كل شيء ويجعل الشعب يشعر بالتحسن السريع في الوضع المعيشي.
أعتقد أنه لا حاجة للمزيد. فما كتبته اليوم هو للتذكير. واعتذر للأخوة والأخوات الذين قد رأوا في كلامي تدخلا في ما لا يعنيني. وقد وصل الأمر ببعضهم إلى السباب والاتهام بالانحياز لطرف من الاطراف المتخاصمة في الجزائر. وهذا وهم وخيال لأني أولا لا أعرف هذه الأطراف وثانيا فليس عندي فرق بين جزائري وآخر تماما كما هو موقفي في تونس.
وما انسحبت من العمل السياسي المباشر في تونس إلا بسبب ملاحظتي استحالة التوفيق بين قوى سياسية متعطشة للتسلط ولا تختلف عن النظام السابق وآخاف ألا يكون من قوى الحراك من هم بهذه الصفات أو ان يخترقهم من هم بهذه الصفات. فتحقيق وحدة القوى السياسية شرط النجاح. ويخطيء من يحسبني على إحدى القوى في تونس. فالجميع يعلم أني لم أكن أبدا عضوا في حركة النهضة فضلا عن أن أكون قائدا فيها. وقد قلت أول يوم ترشحت فيه اني مع نهوض الأمة بكل تقازيحها لا مع حزب النهضة.

Exit mobile version