مواجهة تاريخية على المباشر.. صراع مع الدولة وعليها
زهير إسماعيل
من معاني الربيع السياسية ما شهدناه ونشهده هذه الأيام من مواجهة سياسية حادة بين نظام الاستبداد العربي الذي سكن ويسكن الدولة ويتدرّٰع بمؤسساتها ويوظف مقدٰراتها، والحشود التي شقّت عصا الطاعة واحتلت الميادين.
هذا وضع جديد ينضح رمزية، أقواها رمزية الصراع على الفضاء. وقد مكنت الثورة التواصلية من نقل هذه المواجهة على المباشر لحظة بلحظة، وكلمة بكلمة…
لم يكن هناك عقد بين الدولة والناس، وما كان يُسمّى عقدا هو إملاء من الدولة باعتبارها الجهة المنظّمة والمحتكرة للقوة بمختلف معانيه، ولم تَر في الحشود سوى موضوع للسلطة.
المواجهة الحاسمة اليوم ستدفع الحشود في حراكها التاريخي وغير المسبوق في مجالنا إلى التنظم وامتلاك كل عناصر القوة في مناضلة قوة مدربة أخطر ما فيها إقناع الناس بمشروعية عنفها وهيمنتها. وهي تدرك أن انتصارها ماضيا لم يكن إلاّ بتسليمهم لها قيادَهم وصار ذلك عندهم ثقافة، وعنوان تحضّٰر وحداثة.
لن يغيّٰر تنظم الحشود من علاقة القوة مع الدولة إلا بكسر مركزيتها والانتصار عليها في “الصراع على الفضاء” بالانتظام الذاتي المحلي. وتمثل مساحات الحرية المعمّدة بدماء الشهداء عاملا حاسما في عملية التنظم المنشودة.
عندها يمكن أن يُبنى مع الدولة عقد جديد يرسم حدودها ويحدد وظيفتها الجديدة. وقد يسلبها الانتظام المحلي الجديد كثيرا من وظائفها، فكما قيل في التراث السياسي “إذا تراضى الناس وقام العدل فلا حاجة إلى إمام” أي إلى وسيط بين الناس الذي هو الدولة.
ومع ذلك فمن المهم الشديد على أن الذي نوصّف هو صراع على الدولة ومعها: عليها بالنفاذ إلى مؤسساتها بوعي جديد، ومعها بإعادة تعريفها وضبط مجالها وإخراجها من مجالات تحتلها ليست لها، وفي ذلك حدٌّ مركزيتها.
في الجزائر والسودان نعيش مجددا هذه المواجهة التاريخية، وهي مواجهة لا يقف عليها مستقبل المنطقة فحسب لما لها من تداعيات تفيض على المجال العربي إلى جواره القريب منه والبعيد.
نجحت الحشود في فرض الصراع السياسي على نظام الاستبداد العربي، في أكثر من بلد، وهي بصدد جره إلى ساحة الصراع الديمقراطي. وسيكون وعيها بضرورة تنظمها الذاتي والمحلي فاتحة لمرحلة سياسية جديدة تمثّٰل مقدمة لانتصار ثورة الميادين في معركة الميادين.