رمضان على الباب
فتحي الشوك
بشّرنا رئيس غرفة القصّابين اللّه يبشًره بالخير بارتفاع وشيك لسعر اللًحوم الحمراء الًتي قد قد تتخطًى الخمس و ثلاثين دينارا مع حلول شهر رمضان القادم، وهي قفزة متوقًعة ضمن فعاليات العاب القوى التي صارت تمارسها بحرفية جميع السلع الغدائية، حيث تتنافس اللحوم الحمراء والبيضاء والسمك والبيض والخضر والغلال في تحقيق الارقام القياسية وسط تشجيع وتحفيز من الجمهور.
كل السلع ستشهد ارتفاعا بأكثر من 30%، هذا أيضا ما أعلنه رئيس جمعية ترشيد الاستهلاك مبرًرا ذلك بالزّيادة المحدثة في سعر المحروقات.
هي تهيئة نفسية للمستهلِك وتحضير له حتّى لا يصدم ويتقبّل القرارات الصّعبة الّتي لا بدّ منها ويضحّي مادام فيه ما يُعتصر ليقدّم مشروبا على مآدبهم.
تلك قوانين الاصطفاء وتلك القسمة التي تجعل الوطن لأغنيائه والوطنيّة لفقرائه ويكفي هؤلاء أنّهم يتنفّسون ويعبّرون في حدود ما تسمح به نواميسهم.
ستزداد الاسعار اشتعالا وستمرّ الى السّرعة القصوى ليلهث وراءها المواطن المسكين وما عليه إلًا أن يبذل مجهودا ويلهث ومن المنتظر أن لا ينجرّ عن قراراتهم مهما كانت سوى بعض التململ والتذمّر الّذي سيصدره البعض وهم في الطّوابير يتزاحمون على اقتناء ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه في شهر رمضان المبارك.
الحكومة المسكينة تحاول قدر الامكان الاستعداد لهذا الشهر المبارك ببعض البيض وانواع من اللّحوم وبمسلسلات ومنوعات تساعد على الهضم بعد تخمة الافطار.
طالما حاولت المنظومة الفاسدة المفسدة اخراج هذا الشهر من مخيالنا الجمعي وقد فشلت في ذلك مباشرة في خطواتها الأولى حين دعا بورقيبة الى الإفطار بدعوى حاجة البلاد الى العمل والتنمية وطلب من الشيخ بن عاشور أن يفتي لذلك فما كان من هذا الأخير الّا أن سفّهه ملقيا آية الصّيام ومذكًرا بوجوبه، لتمرّ إلى عملية تدمير ممنهج وافراغه من روحه ووظيفته ليتحوّل إلى مناسبة طقوسية نتيجتها عكسية لما انشئت لأجله.
شهر الصّيام الّذي من المفترض أن يكون مناسبة لترويض الجسد وتهذيب الرًوح وللتحرّر من الشّهوات والآثام صار مناسبة للاستهلاك واللّهت وراء الرّغبات.
شهر الصّيام الّذي نزل فيه القرآن وتحقّقت فيه اغلب انتصارات المسلمين صار شهر الكسل الذهني والتكاسل والخمول.
شهر الفضيلة صار شهر بثّ الرّذيلة، وصار الاستعداد له بتوفير ما يشبع الفتحات البيولوجية ويستهدف البطن وما تحتها.
في مثل هذا الشهر ترتفع نسب مضاعفات ارتفاع ضغط الدم والسكري والنقرص وامراض الجهاز الهضمي، في مثل هذا الشهر تكتسب الغالبية وزنا اضافيا، وتشهد ميزانياتهم عجزا اضافيا تبتلعها مجاري الصرف الصحّي وتُكدّس في مصبّ النّفايات.
في مثل هذا الشهر ينتصب الكثيرون يدافعون عن أخلاق وقيم تنتهك وتنهش من قبل قنوات إعلام الإجرام الممنهج بعد أن ساهموا في ارتفاع نسب مشاهدتهم وأدرّوا عليهم بالمال الكثير ما لم يخطر عليهم ببال.
في مثل هذا الشهر يتغيّب العمل أو يكاد وتكثر نسب الطّلاق لأسباب تتعلّق عادة بالمطبخ.
فقد الشهر وظيفته بل اكتسب أخرى متضادّة وهو محصّلة عقود من العمل الدّؤوب في تخريب العقول والنّفوس، وأكيد أنّ العيب ليس فيه بل فينا.، “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].