نعم ! أشارك الشعب الجزائري فرحته !

بشير العبيدي
#أقولها_وأمضي
وسط ظلمة هذه الأنفاق الباريسيّة، وأنا في طريقي إلى مقرّ عملي، تغمرني فرحة عظيمة سروراً بما حقّقه شعب الجزائر من إنجازات أوّلية على طريق النهوض الحقيقيّ. النهوض الحقيقي يبدأ بالحرية والكرامة وبناء المجتمع والدولة والثقافة الجديدة. فليس لعرب هذا الزمان دول بمعنى دول المؤسسات المعاصرة، بل تحكمهم عصابات استمرأت التسلّط والنهب والولاء للأعداء.
نعم، أنا فرح جدّا بما يجري في الجزائر، وأسباب فرحي هي أن الجزائر حققت حلما جماعيا لطالما كتبنا عنه ودعونا إليه ودافعنا عنه في وقت ارتفعت فيه أصوات الثورات المضادة وآهات المعذبين في سجون الظالمين وفرقعات البراميل المتفجرة على رؤوس الأبرياء المساكين، لذلك أقولها بملء فمي :
أولا : فرحت لسلامة أهل الجزائر : أن يخرج ملايين الناس في شوارع الجزائر بهذه الكثافة المبهجة، ويعودون إلى منازلهم سالمين، ولا يشتبكون مع شرطة أو درك أو جيش، ولا يكسرون المرافق ولا يحرقون المباني، ولا يمسّون أحدا بسوء، فإن تلك هي علامة التحضّر والرقيّ، وأمارة النضج والعِليّ. لقد دأبنا على ذكر مساوئ بلادنا ومجتمعاتنا وجلد ذواتنا دون رحمة بأنفسنا، وحين تنجز مجتمعاتنا إنجازا فإن الواجب يقتضي أن نذكر أيضا محاسن الإنجاز ونفرح به.
ثانيا : فرحت لخروج الرئيس بوتفليقة من السلطة بشكل مقبول : إن الرئيس الجزائري استقال وهو مريض شفاه الله، ولا يرضى شهم أبيّ لهذا الرجل في نهاية عمره أن يُهرّب كمن هُرّب، أو أن يُخلع كم خُلغ أو أن يُقال كمن قُتل، وهذا لا يهوّن من مسؤوليته السياسية ومسؤولية المحيطين به، ولكنها نهاية حقبة بشكل متحضّر، نرضاها له وللشعب الجزائري، فلنفرح !
ثالثا : فرحت للجزائر لأن جيشها الوطني وقف إلى صفّ الشعب – قناعة أو سياسة – وهو في الحالتين لا يقارن أبدا بجيوش أخرى سحقت شعوبها في الساحات العمومية وسوّت المدن بالأرض عبر براميل متفجرة، ومكنت للأعداء أن يستبيحوا الوطن ويقسموه إربا ! فهنيئا للجيش الجزائري والشعب الجزائري هذا الدرس الكبير الذي لقنوه للعالم في كيفية التعاطي مع أحداث عظيمة، والاستفادة الكاملة والتامة من التجربة المرة السابقة في عشرية الجمر. فكم من جيش لا يعتبر وكم من عسكر لا يعتذر ! فلنفرح بتصرّف جيش الجزائر !
رابعا : فرحت للجزائر لأن شعبها لم ينجذب نحو الشعارات العلمانية والدينية المفرّقة والممارسات التي من شأنها اختلاق بيئة احترابية قابلة للاشتعال بين الناس والاتهام بالغلوّ ! وأبقى الشعب الجزائري بحنكته على المطالِب الأساسية التي لأجلها خرج أول الأمر، وهذا السلوكّ له في الميزان ثقل عظيم، فالناس تتعدّد أهواؤهم ومشاربهم، فإذا اجتمعوا هذا الاجتماع التاريخيّ بكلّ انسجام وتفاهم، فهو حدث يستحقّ التنويه والإعجاب !
خامسا : فرحت لتحقق الربيع الذي نحلم به جميعا ! لأننا، في جوهرنا، نحلم بربيع سلميّ لا صوت فيه إلا صوت الشعب ينادي بالحرية والكرامة. ولقد تحقق هذا الربيع في الجزائر، وفوّت الشعب الجزائري الأبيّ عن المفسدين في الأرض اتهام هذا الربيع بشتّى التهم الباطلة، وكذّب الأراجيف والأقاويل التي لوّثت وعي الناس وجعلتهم يخافون من التغيير ، بل جعلت بعض الناس يفضّل البقاء في كنف الاستبداد والاستذلال، على الفوضى التي أشعل نارها أعداء الشعوب ومصاصي الثروات!
بلى ! الربيع ممكن ! وسيمرّ على كلّ البلاد بنسائم الحرّية ! وسنطوي الصفحة القاتمة للثالوث الأشر : صفحة الطغاة والغلاة والغزاة !
#بشير_العبيدي |رجب 1440 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أمَلًا |

Exit mobile version